هو “عمرو بن كلثوم بن عتاب” ينتمي إلى قبيلة “تغلب”، كان أبوه “كلثوم” سيد قومه، وأمه “ليلى بنت مهلهل بن ربيعة” البطل الأسطوري العظيم الذي عرف في السير الشعبية بـ “الزير سالم” وكان مثالاً في الشجاعة والاقدام والعز والجاه. ومن هذا النسب ورث “عمرو بن كلثوم” الزعامة والعزة والفروسية حتى صار زعيماً لقبيلة تغلب وهو في الخامسة عشرة من عمره بعد وفاة والده، وقد ألقت به الحروب الدائرة بين قبيلتي بكر وتغلب –والتي سميت بحرب البسوس- في أتونها، فأبلى بلاء حسناً.
وقد اشتهر “عمرو بن كلثوم” بأنه أعظم فُتاك العرب، حتى ضُرب به المثل، فقيل: “أفتك من عمرو بن كلثوم”. وقد رُوي أن “عمرو بن هند” –وكان حاكماً على بلاد العراق- قال يوماً في مجلسه: أتعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟
فقالوا: لا نعلم إلا “ليلى بنت مهلهل” فإن أباها “مهلهل بن ربيعة” وعمها “كليب بن وائل” وزوجها “كلثوم بن عتاب” فارس العرب، وابنها “عمرو بن كلثوم” سيد قومه.
فأرسل “عمرو بن هند” إلى “عمرو بن كلثوم” طالباً منه زيارته هو وأمه، فأقبل مع أمه من الجزيرة في جماعة من قبيلة تغلب. وأمر “عمرو بن هند” بإقامة حفل كبير دعا إليه وجهاء القوم وأشراف العرب، وأوعز إلى أمه أن تستخدم “ليلى بنت المهلهل” في قضاء أمر من الأمور، فلما اطمأن المجلس، قالت هند لليلي: ناوليني الطبق.
فأجابتها ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها.
فلما ألحت هند عليها صاحت ليلى: واذلاه!!
سمعها ولدها “عمرو بن كلثوم”، فثار الغضب في عروقه، وسل سيفه، وأطاح برأس “عمرو بن هند”، وعاد إلى الجزيرة.
وقد عُرف “عمرو بن كلثوم” بأنه شاعر القصيدة الواحدة، حيث لم يصلنا من شعره سوى معلقته التي كانت ضمن المعلقات السبع اللواتي علقن على جدار الكعبة لأنهن كانوا أجود شعر العرب، ومما لا شك فيه أن لـ”عمرو بن كلثوم” شعراً كثيراً ضاع مع ما ضاع من تراث شعراء كثيرين غيره، وقد عَمَّر “عمرو بن كلثوم” طويلاً، فقد توفي سنة 52 قبل البعثة المحمدية، أي أنه عاش كما تقول بعض الكتب مائة وخمسين سنة.
ورُوي أن “عمرو بن كلثوم” حين وافته المنية جمع بنيه، وأوصاهم قائلاً: “يا بني.. قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولابد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت، وإني والله ما عيرت أحداً بشيء إلا عُيرت بمثله.. إن كان حقاً فحقاً، وإن كان باطلاً فباطلاً، ومن سب سُب، فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، ورُب رجل خير من ألف. وإذا حُدِّثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا، فإن مع الإكثار يكون الإهذار، وأشجع القوم العطوف بعد الكره، كما أن أكرم المنايا القتل، ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب”.