الشاعر صلاح عبد الصبور شخصية معرض الكتاب 2017
كتبت: سارة الليثي
فتح معرض القاهرة الدولي للكتاب أبوابه للجمهور في أرض المعارض بمدينة نصر الجمعة الماضية تحت شعار “الشباب وثقافة المستقبل” وأختير الشاعر الكبير الراحل “صلاح عبد الصبور” ليكون شخصية المعرض لهذا العام في دورته الـ 48.
الشاعر “صلاح عبد الصبور” من الشعراء العظام الذين للأسف لا تعرف الأجيال الجديدة الكثير عنهم، لذا اخترنا اليوم أن نلقي الضوء على جانب من حياته لتعرفه الأجيال الجديدة ويعرفون من صاحب الصور التي يرونها في أرجاء معرض الكتاب أثناء تجوالهم وهم لا يعلمون عنه شيئاً!
يعد الشاعر “صلاح عبد الصبور” أحد أهم رواد الشعر الحر العربي أو شعر التفعيلة الذي لا يلتزم بأوزان وبحور الشعر التقليدية، وقد ولد في الثالث من مايو لعام 1931م، ودرس اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1947م، وأثناء فترة دراسته بالكلية تعرف على الفنان “عبد الحليم حافظ” قبل قبوله كمطرب للإذاعة، وكان هو من كتب له أول أغنية تقدم بها لامتحان الإذاعة ولحنها الملحن “كمال الطويل” وكانت قصيدة “لقاء”، وبعد تخرجه عام 1951م عُين مدرساً في المعاهد الثانوية ولكنه لم يتوقف عن كتابة الشعر.
بعد فترة ابتعد عبد الصبور عن كتابة الشعر التقليدي وتوجه لكتابة الشعر الحر؛ لينضم بذلك إلى رواد الشعر الحر في الوطن العربي “نازك الملائكة” و”بدر شاكر السياب”، وكان ديوان “الناس في بلادي” الذي أصدره عام 1957م هو أول مجموعات عبد الصبور الشعرية، كما كان ـأيضاًـ أول ديوان للشعر الحر يهزّ الحياة الأدبية المصرية في ذلك الوقت، وقد استلفت أنظار القراء والنقاد فيه استخدام المفردات اليومية الشائعة وثنائية السخرية والمأساة، وامتزاج الحس السياسي والفلسفي بموقف اجتماعي انتقادي واضح.
وأعقبه بعد ذلك بخمس دواوين شعرية أخرى: “أقول لكم” (1961)، “أحلام الفارس القديم” (1964)، “تأملات في زمن جريح” (1970)، “شجر الليل” (1973)، “الإبحار في الذاكرة” (1977)، وسرعان ما وظف هذا النمط الشعري الجديد في المسرح فأعاد الروح وبقوة في المسرح الشعري الذي خبا وهجه في العالم العربي منذ وفاة الشاعر الكبير “أحمد شوقي” عام 1932م، وتميز مشروعه المسرحي بنبرة سياسية ناقدة لكنها لم تسقط في الانحيازات والانتماءات الحزبية. وقد كتب للمسرح الشعري خمس مسرحيات: “مأساة الحلاج” (1964)، “مسافر ليل” (1968) “الأميرة تنتظر” (1969)، “ليلى والمجنون” (1971)، “بعد أن يموت الملك” (1973).
كما كان لعبد الصبور إسهامات في التنظير للشعر خاصة في أعماله النثرية “حياتي في الشعر” و”قراءة جديدة لشعرنا القديم”، وكانت له كتابات نثرية في مختلف المجالات منها: “على مشارف الخمسين”، “وتبقى الكلمة”، “أصوات العصر”، “ماذا يبقى منهم للتاريخ”، “رحلة الضمير المصري”، “حتى نقهر الموت”، و”رحلة على الورق”، وكانت أهم السمات لأعماله الأدبية استلهامه للتراث العربي وتأثره البارز بالأدب الإنجليزي، ولم يُضِع عبد الصبور فرصة إقامته بالهند مستشاراً ثقافياً لسفارة مصر هناك، بل أفاد خلال تلك الفترة من كنوز الفلسفات الهندية ومن ثقافات الهند المتعددة.
في 13 أغسطس من العام 1981 رحل الشاعر “صلاح عبد الصبور” إثر تعرضه إلى نوبة قلبية حادة أودت بحياته، وذلك بعد مشاجرة كلامية ساخنة مع الفنان الراحل بهجت عثمان، في منزل صديقه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وكان عبد الصبور يزور حجازي في منزله بمناسبة عودته من باريس ليستقر في القاهرة. وقد ارجعت زوجته سبب وفاته أنه تعرض إلى نقد واتهامات من قبل أحمد عبد المعطي حجازي، وبعض المتواجدين في السهرة الذين اتهموه بأنه قبل منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، طمعاً في الحصول على المكاسب المالية، متناسياً واجبه الوطني والقومي في التصدي للخطر الصهيوني الذي يسعى للتطبيع الثقافي، وأنه يتحايل بنشر كتب عديمة الفائدة لئلا يعرض نفسه للمساءلة السياسية..
وتصدى الشاعر حجازي لنفي الاتهام عن نفسه من خلال مقابلة صحفية أجراها معه الناقد جهاد فاضل قائلاً:- «أنا طبعاً أعذر زوجة صلاح عبد الصبور، فهي تألمت كثيراً لوفاة صلاح. ونحن تألمنا كثيراً ولكن آلامها هي لا أقول أكثر وإنما أقول على الأقل إنها من نوع آخر تماماً. نحن فقدنا صلاح عبد الصبور، الصديق والشاعر والقيمة الثقافية الكبيرة، وهي فقدت زوجها، وفقدت رفيق عمرها، وفقدت والد أطفالها.. صلاح عبد الصبور، كان ضيفاً عندي في منزلي، وأياً كان الأمر ربما كان لي موقف شعري خاص، أو موقف سياسي خاص، لكن هذا كله يكون بين الأصدقاء الأعزاء، ولا يسبب نقدي ما يمكن أن يؤدي إلى وفاة الرجل. الطبيب الذي أشرف على محاولة انقاذه، قال إن هذا كله سوف يحدث حتى ولو كان عبد الصبور في منزله، أو يقود سيارته، ولو كان نائماً. وفاته اذن لاعلاقة لها بنقدنا، أو بأي موقف سلبي اتخذه أحد من الموجودين في السهرة».
وقد تقلد عبد الصبور عدداً من المناصب خلال حياته الحافلة، فقد عمل بالتدريس وبالصحافة وبوزارة الثقافة، وكان آخر منصب تقلده رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وساهم في تأسيس مجلة فصول للنقد الأدبي، فضلاً عن تأثيره في كل التيارات الشعرية العربية الحداثية. وقد حصل على العديد من الجوائز، منها: جائزة الدولة التشجيعية عن مسرحيته الشعرية “مأساة الحلاج” عام 1966م، وبعد وفاته حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1982م.