تحقيق: سارة الليثي
ارتفعت نسب الطلاق فى مصر فى الآونة الأخيرة بشكل رهيب حتى أصبح من بين كل خمس حالات زواج أربع حالات طلاق وهناك حالة طلاق كل ساعة حسب الاحصاءات المنشورة والمعترف بها، وهذا بالتأكيد سيؤدى بالمجتمع إلى حافة الإنهيار .. فما هى الأسباب التى تدفع الرجل أو المرأة إلى اتخاذ قرار الطلاق وما هى الآثار النفسية المترتبة على هذا القرار سواء للزوجين أو الأبناء وما رأى الدين فى انتشار الطلاق لبعض الأسباب التافهة؟ التحقيق التالى يجيب على هذه التساؤلات:
-
النساء: الإهانة والخيانة هم أهم أسباب الطلاق.
- علماء الاجتماع : تدخل الأهل يؤدى إلى الطلاق.
- علماء النفس: طلاق الآباء يصيب الأبناء بالاكتئاب المزمن.
- رجال الدين: الاختلاط والتبرج من أسباب الطلاق.
رأى النساء
- تقول “راندا محمد” ربة منزل أنا متزوجة منذ سبعة وعشرين عاماً، ولم أفكر فى الطلاق سابقاً، ولكن ما قد يدفعنى لاتخاذ مثل هذا القرار هو شعورى بعدم الاحترام والتفاهم المتبادل وأن يؤثر ذلك بالسلب على أخلاقيات الأبناء.
- بينما تؤكد “أمل محمد” مدخلة بيانات حاسب آلي أنها فكرت مرات عديدة فى الطلاق لعدم إنسجامها أو شعورها بالراحة مع زوجها ولكنها تتراجع عن هذا القرار من أجل ابنتها.
- وتشير “أ. م” ربة منزل : أنها مطلقة منذ عامين بعد زواج دام ست سنوات من ابن خالتها ولها ابنة منه، وعن أسباب الطلاق تقول أنها رفعت دعوى خلع على زوجها لأنه كان يعاملها بأسلوب فظ ويضربها ويهينها وأيضاً يخونها ويتردد على أماكن مشبوهة، كما أنه بخيل ولا ينفق شيئاً على المنزل وينفق فقط على ملذاته الشخصية، وقد حاول الارتباط بفتاة أخرى وهى ما زالت على ذمته وعندما رفعت دعوى الخلع أتهمها بسرقة أثاث المنزل و20 ألف جنية من منزلهم ومتعلقات شخصية له تتعلق بعمله وثبت بطلان هذه التهم قضائياً، وما زالت الدعاوى مرفوعة بينهم فى المحكمة ويرفض الإنفاق على أبنته.
- وتنوه “جيهان كريم” صيدلانية أنها طلقت مرة من زوجها، وكان ذلك بسبب خيانته لها وعلاقته بامرأة أخرى، ولكنها عادت إليه بعد أن تعهد بعدم تكرار فعلته، وأن يظل وفياً لزوجته وأولاده، وكان ذلك بسبب رغبتها فى الحفاظ على الأولاد.
رأي علماء الأجتماع
- تقول الدكتورة “إيمان عباس عبد النعيم” مدرس علم اجتماع أسري وقانوني أن من أسباب الطلاق قيام الزواج على أسس غير سليمة دون فهم أو تقدير للقيم والمعايير التى تحكم العلاقة المشروعة بين الرجل والمرأة، كأن يقوم الزواج على الإندفاع العاطفي أو المنفعة الشخصية أو الزواج الارتجالي الذى يتم بسرعة بسبب السفر أو لأية ظروف أخرى دون إتاحة الفرصة للخطيبين حتى يتم التعارف بينهما ويحدث الإنسجام والتوافق وكذلك الجهل بأسس الحياة الزوجية ومتطلباتها والمسئوليات المتوقعة من الطرفين.
وأيضاً الزواج القائم على شروط معينة قد يتأثر عند الإخلال بها سواء من قبل الزوج أو الزوجة كأن يتم الإتفاق على استمرار الزوجة فى عملها ولكن الزوج يطالبها بتركه بعد الزواج وكذلك الثراء المفاجئ قد يجلب معه بذور الخلافات والغيرة خاصة إذا فكر الزوج فى الاقتران بزوجة ثانية تليق بمكانته الجديدة، وأيضاً من أسباب الطلاق زيادة تدخل الأهل والأقاب فى حياة الزوجين والإصرار على توجيهما بما يتفق مع القيم والتقاليد التى يؤمنون بها دون إتاحة الفرصة للزوجين كي يشتركا فى اتخاذ قرارات تتعلق بعلاقتهما معاً وبأهتماماتهما ومصلحتهما دون ضغوط خارجية.
وكل ذلك يؤدي إلى تعجيل الخلافات التى تعرضهما للتوتر فى بداية حياتهما، وللحد من هذه الظاهرة ترى الدكتورة إيمان أنه لا بد للزوجين الحديثين عند بداية زواجهما من تحمل مسئولية الحياة الزوجية وتبعاتها وعدم الاعتماد على الأهل فى كل شيء وأيضاً تمتع جميع الأطراف (الزوجين والأهل) بالمرونة فى التعامل والقدرة على تقبل الآخر.
رأي علماء النفس
- يؤكد الأستاذ “محمد عبد العظيم” مدرس مساعد الصحة النفسية بكلية التربية جامعة أسيوط أن من الأسباب المؤدية للطلاق هو عدم قدرة الطرفين على التكيف مع بعضهما والرغبة لدى كل منهما في أن يكون هو المسيطر على الأمور وإصرار كل منهما على رأيه، وأيضاً من أسباب الانفصال اهتمام الزوج بتوفير النواحي المادية فقط وإهماله توفير الحب والرعاية النفسية لزوجته، مما يجعله منشغلاً عنها طوال اليوم بعمله وربما يسافر إلى بلد آخر ويمكث شهوراً وربما سنيناً ويتركها وحدها بحجة توفير سبل معيشة مادية أفضل مما يجعلها تشعر بالوحدة وعدم الاستقرار فتطلب الطلاق.
ومن أسباب الطلاق أيضاً كثرة مطالب الزوجة التى تفوق قدرة زوجها المادية وإصرارها على هذه المطالب مما يجعله يفتقد الشعور بالأمان اللازم لاستمرار الحياة الزوجية فيلجأ إلى الطلاق، لذا يجب على كل طرف أن يعرف واجباته وحقوقه حتى لا يصل إلى مرحلة الطلاق فالطلاق آثاره النفسية السيئة تصيب الزوجين والأبناء، ولكن العبء الأكبر يقع على الأبناء الذين يكونوا هم الضحية الأساسية لهذا الطلاق، فالتفكك الأسرى عادة هو السبب الرئيسي لكل الأمراض النفسية مثل الأكتئاب والذهان والوسواس القهري والقلق وضعف الثقة بالنفس.
ويؤدي انفصال الأبوين إلى إنعدام الإحساس بالأمن والحب لدى الأبناء ويؤدي إلى تنمية مشاعر الحقد لديهم مما يجعلهم يحقدون على أي أسرة سعيدة ويعملون على التفريق بينهم.

- ويضيف الدكتور “السيد كمال ريشة” أستاذ مساعد علم النفس بجامعة أسيوط أن الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية هي من أهم الأسباب المؤدية للطلاق حيث تؤدي تلك الضغوط إلى اضطرابات في الشخصية تسبب سرعة الانفعال وعدم القدرة على التحكم في العواطف والتي تؤدي بدورها إلى اتخاذ قرارات متسرعة دون التفكير فيها كالطلاق، وينوه إلى أن كلمة الطلاق أصبحت سهلة على ألسن الشباب حتى من غير المتزوجين الذين يقسمون دائماً بالطلاق وقد يقع فعلاً بسبب قسم من هذا النوع.
وفي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة الزواج السريع الذي يعقبه طلاق سريع بعد أن كان الطرفين قديماً يتأنون في اتخاذ مثل هذه القرارات وذلك نتيجة لانتشار العنوسة بين الفتيات مؤخراً فأصبحت كل فتاة تخاف على نفسها من أن يلصق بها المجتمع لقب عانس فتقبل أى عرض للزواج دون إمعان للتفكير فيه فقط للهرب من العنوسة فأصبحت الطبيبة وأستاذة الجامعة تقبل الزواج من عامل مثلاً مما يؤدى إلى عدم حدوث توافق بينهما يصل بهما إلى الطلاق.
ومن أول المشاكل المترتبة على الطلاق بالنسبة للأبناء هي انخفاض نسبة الذكاء لديهم وإنحدار مستوى تحصيلهم الدراسى لأن الذكاء ينمو مع الطفل إلى سن 18-20 سنة ولذلك يحتاج الأبناء إلى الرعاية والاهتمام وتنمية الذكاء ولكن عندما يكون الأب والأم منفصلين خلال هذا السن يقل ذكائهم وتحصيلهم الدراسي، مما يؤدي إلى الفشل دراسياً كما يتعرض الأطفال عند انفصال آبائهم فى سن مبكرة إلى الأكتئاب المزمن الذى قد يؤدى إلى الأنتحار. أما بالنسبة للمرأة المطلقة فقد ترفض الزواج مرة أخرى نهائياً لأنها تعرضت لتجربة فاشلة وتخاف تكرارها.
ويجب على الرجل أن يراعي مطلقته وأم أولاده من الناحية المادية كما أمر الشرع ولا يذكرها بسوء أمام أبنائهم حتى لو كانت هي المخطئة ويجب عليه أن يحتضن أبناءه ولا يهملهم ويعاقبهم على طلاقه من أمهم وكذلك على المرأة أن تراعي تلك الأمور مع أبنائها وأن تكون حريصة أن لا يؤثر طلاقها سلبياً على أبنائها.
رأي الدين
- يوضح الأستاذ الدكتور “جابر علي مهران” أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة أسيوط أن السبب الوحيد المقبول للطلاق هو عندما تتسع رقعة الخلاف بين الزوجين وتصبح الحياة بينهما غير مطاقة ولا يمكن التصالح بينهما وحتى لو تم التصالح فإنهما يعودان إلى ما كانا عليه من خلاف، أما غير ذلك فلا يمكن أن يكون سبباً للطلاق كأن تكون الزوجة لا تنجب مثلاً لأن الله هو الذى يمنح الذرية ويهب لمن يشاء ذكوراً ولمن يشاء إناثاً ويجعل من يشاء عقيماً خاصة وأن الزواج الثانى مباح فى هذه الأحوال.
وأضاف أنه يمكن الحد من ارتفاع نسب الطلاق فى المجتمع بإتباع الشريعة الإسلامية كما علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قال: “تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك”، فما ارتفعت نسبة الطلاق فى المجتمع إلا بسبب الزواج السريع غير القائم على أي أسس دينية.
- ويضيف الأستاذ الدكتور “عبد الرحمن عبد القادر” أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة أسيوط أن الزوج ليس مطالباً أن يبين السبب الذى دعاه لتطليق زوجته وذلك حرصاً على أسرار الأسر فربما يكون السبب الذى دعاه للطلاق يضر بسمعة الزوجة ولكن هذا لا يمنع أن الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله حيث يترتب عليه تشريد الأبناء وتفريق الأسرة ولذلك فالطلاق في الإسلام هو أخر الحلول المتاحة للزوج إذا أستحالت العشرة بينه وبين زوجته ويكون بقاء الزوجية أضر من إنهائها.
وعلى الزوج المسلم ألا يلجأ إلى الطلاق ما دامت الحياة الزوجية قائمة فى إنسجام ووفاق ومحاولة التغلب على أسباب الخلاف، وكل من الطرفين مطالب بالمعاشرة الحسنة للطرف الآخر، وتعود ارتفاع نسب الطلاق فى الآونة الأخيرة إلى أسباب عديدة منها الأسباب الاقتصادية حيث تزيد مطالب المرأة المادية فى بعض الأحيان عن إمكانيات زوجها مع تدني مستويات دخل الأسرة وأيضاً ما جد على الساحة من تبرج فى المظهر فيعتبر الزوج أن زوجته تقصر فى حقه بعد أن يرى الجميلات المتبرجات فى الشارع على الرغم من أنهن يكن فى منازلهن مثل زوجته فقد عكسوا ما طالبهن به الشرع الذى وجههن إلى التزين بشتى أنواع الزينة لأزواجهن فى المنزل والاحتشام والحجاب خارجه.
وللقضاء على ارتفاع نسب الطلاق فى المجتمع يجب أن نتمسك بأهداب الدين وتعاليم الشرع فيعرف الزوج حقوق زوجته ويؤديها كاملة غير منقوصة وكذلك المرأة فإذا فعلنا ذلك قلت نسبة الطلاق فى المجتمع كما كانت قديماً.