أصرت مريم بالفعل أن تذهب هي وراندا لمساعدة الناس في الشارع:
راندا: ما تخليها تيجي بظروفها طب، لو لاقينا حد محتاج مساعدة بالصدفة نبقى نساعده، مش هنمشي نسأل الناس يعني؟!
مريم: لو فضلنا مستنيين هنفضل مستنيين على طول ومش هنعمل حاجة لازم نسعى بنفسنا.
- انت مش ناوية تبطلي جنان أبداً؟!
- لا يلا.
…………………………………………..
في تاكسي تجلس مريم بجوار السائق وراندا في المقعد الخلفي:
مريم: إزيك يا اسطى؟
السائق باستغراب: الحمد لله!
- محتاج حاجة؟
- أفندم؟!
- بص احنا نازلين من بيتنا النهاردة عشان نساعد أي حد ونصيبك انت بقى انك الحد ده فشوف انت بقى محتاج ايه؟!
السائق بنظرة وابتسامة خبيثة: يعني أنا لو طلبت أي حاجة هتعملوهالي؟!
راندا في الخلف ملامحها يبدو عليها أنها لمحت مقصده الخبيث ولكن مريم بسذاجة منقطعة النظير ردت عليه: أكيد إن شاء الله.
بدت على ملامح راندا الهلع بينما مد يده هو ليضعها على ساقها؛ ففزعت: ايه اللي بتعمله ده؟!
- انت مش قلتي انك هتعمليلي أي حاجة أنا محتاجها؟!
- أنا مكنش قصدي كدة خالص!
- أنا بقى مش عايز غير كدة خالص.
- وقف التاكسي ده بدل ما أصوت وألم عليك الناس.
- لا وعلى ايه غوروا في داهية ده انتم ناس مجانين باين عليكم!
فرمل السائق وهرولتا مريم وراندا سريعاً بعيداً عنه.
………………………………..
في جانب ما من الشارع مريم وراندا يبدوا عليهما الانهاك من كثرة الجري ويلتقطا أنفاسهما بصعوبة.
راندا: شفتي آخرة جنانك؟ قلت لك انت هنا في مصر فوقي بقى وعيشي عيشة أهلك!
مريم: هم الرجالة كلهم كدة متخلفين عقلياً مبيفكروش في حاجة غير السفالة، احنا ملناش دعوة بالرجالة تاني احنا نكلم ستات زينا أو أطفال.
- نعم؟! ستات وعيال ايه انت لسة ناوية تكملي في الجنان ده تاني؟!
- يا بنتي هنكلم ستات أو بنات وأطفال بس مش هيعملولنا حاجة يعني!
- يا بنتي حرام عليكي انت مش هتتهدي غير لما تحصلنا مصيبة!
- مصيبة ايه يعني؟! أقصى حاجة ممكن تحصل انهم يمشوا ويسيبونا ويفتكرونا مجانين مش أكتر.
- لا يا شيخة حاجة بسيطة خالص!
- يلا يا بت بلاش جبن.
……………………………………………..
مريم وراندا يقابل مجموعة أطفال في الشارع يبدو عليهم الفقر فيستوقفونهم:
مريم: ازيكم يا حلوين؟
نظر إليهما الأطفال نظرة إزدراء.
مريم: طب يا حبايبي انتم بتعملوا ايه لوحدكم في الشارع؟
أحد الأطفال: وانت مالك؟
مريم: طب انتم مستأذنين من أهاليكم قبل ما تخرجوا؟
طفل آخر: أهالينا هم اللي بيسرحونا أصلاً.
مريم: بيسرحوكم إزاي يعني؟!
- هو إيه اللي إزاي يا أبلة؟! بيسرحونا يعني بينزلونا نشحت في الشارع ونبيع مناديل يعني هيكون إزاي يعني!
- ومش بتروحوا مدرسة على كدة؟!
- مدرسة إيه يا أبلة، يعني هم اللي بيروحوا مدارس بياخدوا ايه غير وجع الدماغ ما احنا كنا بنروح زيهم واحنا اللي سيبناها.
- وسبتوا المدرسة ليه؟!
- ونروحها ليه؟
- عشان تتعلموا وتدخلوا كلية وتشتغلوا وتنفعوا نفسكم وبلدكم.
- هههههههههههه ايه يا أبلة الكلام الكبير ده، كلية ايه وشغل ايه، انت شايفة الشغل مرترت في البلد يعني؟ ما احنا عندنا في الحتة بنات وولاد دخلوا الكلية واتخرجوا واهم في الآخر بيشتغلوا كناسين في البلدية أو بياعين في محلات ملهاش لازمة، واللي مش عاجبه بيعد جنب أمه مش لاقي شغل يبقى لزمتها إيه بقى من الأول ما احنا كدة ميت فل وعشرة وبنكسب أكتر من اللي بيكسبه أجدعها موظف في الحكومة من غير ما تطلع عنينا في صحيان بدري ومرواح مدارس ومذاكرة وقرف ووجع دماغ.
تقف مريم وراندا مذهولتان من طريقة كلامهم ولا يجدان كلام يردا عليهم به.
مريم: طب انتم ايه أحلامكم شايفين نفسكم إزاي في المستقبل يعني؟
- عادي يعني هنفضل نلقط رزقنا كة لحد ما نكبر وبعدين نتجوز ونخلف عيال زينا يلقطوا رزقهم برضه.
- عاجباكم الحياة دي يعني؟
- عجبانا أو مش عجبانا هي دي حياتنا ومش هتتغير فالأحسن اننا نرضى بيها ونعيشها ونكبر دماغنا.
- وليه متحاولوش تغيروها؟
- وهنغيرها إزاي يعني؟!
- بانكم تتعلموا وتثقفوا نفسكم ويكون لكم أهداف وطموحات عايزين تحققوها!
- يا أبلة ما احنا لسة قايلينك ان العيال عندنا في الحتة اللي اتعلموا وخدوا شهادات بيسرحوا زيينا وبيشتغلوا كناسين في البلدية أو قاعدين عالة على أهاليهم ومنبهمش غير وجع الدماغ طول السنين دي وحسرة القلب في الآخر يبقى ايه لزمتها من الأول؟!
- لا حول ولا قوة إلا بالله، طب انتم منفسكوش في حاجة ممكن نعملهالكم؟
- معاكم سجاير؟
- أفندم؟!
- ايه يا أبلة سجاير مش عارفة السجاير؟!
- عايز سجاير تعمل بيها ايه؟!
- هنعملها قراطيس لب، هنشربها يعني هنعمل بيها ايه يعني؟!
- انتم بتشربوا سجاير؟!
- ايه يا أبلة انت جاية منين نازلة من القمر، ما العيال كلهم بيشربوا سجاير!
- طب مش عايزين آيس كريم شوكلاتة شيبسي أي حاجة حلوة كدة؟!
- ايه شغل المياصة ده انت باين عليكي هبلة يلا يا ابني انت وهو نشوف لنا سبوبة تنفعنا بدل مضيعة الوقت دي دي باين عليها مجنونة الظاهر!
يذهب الأطفال ويتركون مريم وراندا ورائهم في ذهول.
راندا: ارتحتي كدة ولا لسة في تاني؟
مريم بحسرة: لا خلاص كفاية مفيش فايدة!