أمين الهنيدي…. الكوميديان المهضوم حقه

كتبت: سارة الليثي

   هو أمين عبد الحميد أمين محمد الهنيدي، ولد في 1 أكتوبر 1925 في مدينة المنصورة، أحب التمثيل منذ صغره فكان يلتحق بكل الفرق التمثيلية في طفولته، وكان يلقي المونلوجات الفكاهية مقلداً “إسماعيل يس” و”ثريا حلمي” في العديد من الحفلات، حتى شارك في فرقة نجيب الريحاني عام 1939 وهو لا يزال طالباً في مدرسة شبرا الثانوية، وقدم معه مسرحية واحدة وقتها، والتحق بكليات الآداب والحقوق وشارك في الفرق التمثيلية بهما، إلا إنه لم يستكمل تعليمه بهما ليتخرج أخيراً من المعهد العالي للتربية الرياضية بالاسكندرية عام 1949.

   بعد تخرجه عمل أمين الهنيدي مدرساً للتربية الرياضية بوزارة المعارف، التي أرسلته للعمل بالسودان بعد أن أصبح مدير عام النشاط الرياضي بالوزارة، حيث كانت مصر والسودان دولة واحدة، وهناك تعرف على الفنان محمد أحمد المصري الشهير بأبو لمعة وكون معه فرقة مسرحية تقدم عروضها في النادي المصري بالخرطوم عام 1954، وبعد عودته إلى مصر تعرف على الفنانين عبد المنعم المدبولي وفؤاد المهندس وشارك معهما في البرنامج الإذاعي الشهير “ساعة لقلبك” بشخصية “فهلاو” الذي كان بداية انطلاقته الفعلية وشهرته في الوسط الفني.

    وبعد شهرته من خلال البرنامج الإذاعي شارك في فرقة “تحية كاريوكا” المسرحية، وقدم معها العديد من المسرحيات، ولم يقتصر نشاطه على نوع واحد من الفنون فقد كان فناناً متعدد المواهب حيث قدم المسلسلات والبرامج الإذاعية ومسرحيات الكبار والأطفال والأفلام السينمائية، فقد قدم ما يزيد عن أربعين فيلم وثمانين مسرحية، ووقف أمام كبار النجوم والفنانين أمثال: نجاة الصغيرة وحسن يوسف وسعاد حسني وصلاح ذو الفقار ورشدي أباظة وشويكار ونادية لطفي وكمال الشناوي وليلى طاهر ويوسف شعبان وغيرهم الكثير.

    وعُد أمين الهنيدي واحداً من أبرز نجوم الكوميديا بالمسرح المصري في فترة الستينات والسبعينات، وقد كون فرقته المسرحية الخاصة باسمه عام 1970، والتي قدم من خلالها عشرين مسرحية من بينها: غراميات عفيفي ،عبود عبده عبود، ديك وثلاث فرخات، سد الحنك، وغيرها، وفي عام 1978 حُلت الفرقة وتوقف أمين الهنيدي عن النشاط المسرحي حوالي ثلاث سنوات حتى عاد بمسرحيتين قبيل وفاته هما: الدنيا مقلوبة، وأسبوع عسل، وتزوج أمين الهنيدي عام 1969 وأنجب من زوجته ثلاثة أبناء هم: صالح وعبد الحميد ومحمود.

    توفي أمين الهنيدي في 3 يوليو عام 1986 بعد معاناته مع مرض عضال أنهت تكاليف علاجه كل مدخراته حتى إنه مات دون أن يستطيع سداد باقي مصروفات علاجه والتي قدرت وقتها بألفي جنيه، ورفضت المستشفى تسليم جثمانه لذويه قبل حصولهم على ذلك المبلغ!

الإعلان

سكة سفر

  عدت إلى أسيوط بعد غياب دام أكثر من سبع شهور كدت فيهم أن أنسى ملامح طريق السفر، فلم أمكث هذه المدة من قبل في مكان واحد دون سفر، فيما عدا السنوات الأربع التي قضيناها في اليابان خارج مصر،  فمنذ طفولتي ونحن نقضي فترة الدراسة في أسيوط وفترة الأجازة ما بين القاهرة واسكندرية، ولا تطول أي منهما لتلك المدة، وفي الفترة الأخيرة كثر ترددنا على القاهرة منذ أن التحق أخي بمعهد الهندسة في العاشر من رمضان.

فقد صاحب ذلك أيضاً تخرجي من الكلية وتفرغي التام فلا شيء يُلزمني بالتواجد في فترات معينة في أسيوط، وتلا ذلك مرض جدتي وعدم قدرتها جسدياً على الاعتناء بأمور أخي الذي يمكث معها للدراسة،  وذلك ما اضطرنا للمكوث تلك المدة الطويلة مؤخراً، وأخيراً قررنا العودة بعد أن أطمأننا على وجود من يعتني بأمورهما معاً، وكالعادة عدنا بالسيارة، وعلى الرغم من أن السيارة تتيح لي الاستمتاع بأكثر قدر من المناظر الخارجية على جانبي الطريق أكثر من القطار خاصة بعد غياب الشمس حيث يصبح من المستحيل رؤية شيء خارج نوافذ القطار، إلا إنني أشتاق كثيراً للسفر بالقطار.

منذ أن اشترى أبي السيارة بعد عودتنا من اليابان في عام 2004 لم أركب القطار سوى مرة واحدة عندما ذهبت في رحلة فتيات للاسكندرية وأنا في الصف الثاني الثانوي. أذكر أنني في طفولتي كنت طفلة مشاغبة جداً، فعند ركوبنا للقطار كنت دائماً ما أتشاجر مع أخي الصغير للجلوس بجانب نافذة القطار لأشاهد الطريق والمناطق الزراعية، وعندما يسير القطار كنت انطلق في العربة التي نركبها ذهاباً وإياباً واتعرف على جميع الركاب أياً كانت أعمارهم وافتح معهم أبواب الحوار في شتى المواضيع المختلفة.

وما كان يمنعني من الخروج من العربة التي نركبها والانطلاق في باقي القطار هو خوفي الدائم من الأرضية الفاصلة المتحركة بين العربات حيث كنت أخشى أن أسقط بين طرفيها وافرم تحت القطار. وبسبب هذا الخوف كنت أخشى حتى دخول الحمام حيث كان يقع بين كل عربتين، فإذا ما اضطررت لدخول الحمام كنت أبكي لأبي حتى يحملني ويمر بي على تلك الأرضية دون أن أسير أنا عليها. وحقيقة لا أعلم كيف كانت تواتيني الجرأة حينها للتعرف على هؤلاء الركاب الذين أراهم لأول مرة في حياتي.

لا أتذكر كيف كنت أبدأ الحوار مع أي منهم وفيما كنت أتكلم معهم، ولكني أذكر أنني تعرفت على ركاب عديدين وقتها من بلاد مختلفة. وأغلب الركاب الذين تعرفت عليهم كانوا شباب صغار في السن يسافرون وحدهم، وأذكر تحديداً امرأة تعرفت عليها ذات مرة واكتشفت أنها تعمل مفتشة بالتربية والتعليم وقريبة لاحدى صديقاتي في المدرسة، وجاءت للتفتيش علينا في المدرسة بعد تلك الواقعة وكنت فخورة وسط صديقاتي بمعرفتي المسبقة لها. ومرة واحدة فقط تعرفت فيها على فتاة من عمري وانطلقنا معاً للعب داخل القطار، ولكنني لم أراها مرة ثانية في حياتي ولا أذكر اسمها!

عندما أتذكر تلك المواقف الآن أتمنى لو كنت ظللت بتلك الجرأة التي كانت تجعلني أقتحم الأماكن والناس بسهولة دون خوف أو تردد. لا أستطيع أن أتذكر كيف كنت أجرؤ على ذلك وبماذا كنت أشعر وقتها وكيف لم أكن أخاف وأتردد لحظة وكيف كنت أبدأ حواراتي تلك مع الناس، فعلى الرغم من أنني لازلت أعد نفسي جريئة إلى حد ما في أفكاري وآرائي وربما في أسلوب حواري مع من أعرفهم إلا أنني أصبحت افتقد تلك الجرأة التي تجعلني أبدأ الحوار مع أشخاص أقابلهم للمرة الأولى إلا إذا كان هناك ضرورة ملحة لذلك وفي إطار موضوع معين كأن يكون حوار صحفي في إطار عملي وأيضاً يكون ذلك مصاحباً بحالة توتر وتردد شديد حتى لو لم تبدو للآخرين ولكني أشعر بها في داخلي.

عدت إلى أسيوط الآن بمشاعر متضاربة ما بين الحنين إليها والرغبة في الفرار منها، فعلى الرغم من أن أسيوط هي محل ميلادي وموطن تعليمي إلا أنني لا أرى لي أي مستقبل مهني بها، دائماً ما أحلم بالاستقرار في القاهرة والحصول على عمل بها وتسلق سلم الصحافة والاعلام هناك حتى لو كان الطريق شاقاً فعلى الأقل هناك طريق، ولكن هنا في أسيوط لا توجد أي طرق، فجميع الجرائد الأقليمية التي تصدر بها لا يقرؤها أحد ومن يكتبون بها إما أنهم يستغلونها في الحصول على المال من خلال الإعلانات لتوزيعها مجاناً على المصالح الحكومية أو لتكون نقطة تذكر في سيرتهم المهنية عند التقدم للعمل في صحيفة كبيرة يوماً ما.

ولكن هنا في أسيوط أيضاً كل ذكرياتي جيدها وسيئها وليس لي أي ذكريات في القاهرة خارج منزل جدتي ، هنا مكاني الخاص الذي أملكه ولا يستطيع أحد سلبه مني، هنا أصدقاء العمر الذين أفتقدهم في كل مرة أسافر فيها، هنا كل مكان وكل شارع لي ذكرى فيه، هنا قصص طفولتي ومراهقتي وشبابي، هنا نبض قلبي للمرة الأولى وجرح أيضاً للمرة الأولى، هنا كل شيء حلو وسيء في الوقت ذاته وأنا أحمل الوفاء لذكرياتي السيئة كما أحن لذكرياتي السعيدة لذا دائماً ما أحن لتلك المدينة.

مهما ابتعدت عن تلك المدينة تشدني إليها ثانية وكأنها لعنة ترافق حياتي لا أستطيع التخلص منها ولا أستطيع القبول بها للأبد ونسيان أحلامي ودفنها في واقعها المحبط.