جولة في معرض الخزف الياباني “ياكشيميه” في متحف محمود خليل بالقاهرة

الإعلان

الدولة الفاطمية وانجازاتها وآثارها

بقلم: سارة الليثي

    تأسست الدولة الفاطمية كنظام حكم راسخ عام 300 هـ الموافق 912 م بإقامة مدينة المهدية في ولاية افريقية حتى تم لهم غزو مصر عام 358 هـ الموافق 969 م في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله على يد قائد جيشه جوهر الصقلي، وعندها كانت أول انجازاتهم هي بناء مدينة القاهرة لتكون عاصمة للخلافة الفاطمية، وقد استحدث الخليفة الفاطمي العزيز بالله منصب الوزراء وعين وزراء له من أهل الكتاب اليهود والنصارى وأشركهم في الحكم، كما عمل على تنويع الجيش ليضم جنوداً من طوائف وطبقات متعددة.

    ومن أهم انجازات الدولة الفاطمية هي بناء الجامع الأزهر، والذي أسموه تيمناً بفاطمة الزهراء ابنة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وقاموا بتأسيسه في الأصل للدعوة إلى المذهب الشيعي الذي كانت تعتنقه الدولة الفاطمية، واستحدثوا منصب قاضي القضاة ليحكم بين الناس بالمذهب الشيعي وكان مقره في الجامع الأزهر، وأول من تولى هذا المنصب كان النعمان بن محمد الذي عينه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وقد اهتمت الدولة الفاطمية بالتسليح العسكري وخاصة الأسطول، فقد أسسوا دار للصناعة في عاصمتهم الأولى المهدية لصناعة المراكب الحربية من مختلف الأحجام.

    وبعد انتقالهم إلى مصر أسسوا دارين أخريين في القاهرة وأيضاً واحدة في دمياط وأخرى في الإسكندرية. وتعد أهم انجازتهم على الاطلاق هي انتصارهم على طائفة القرامطة وانهاء وجودهم للأبد، فعلى الرغم من أن الفاطميين والقرامطة ينتمون إلى المذهب الشيعي والطائفة الإسماعيلية تحديداً، إلا أن القرامطة عاثوا في الأرض فساداً واستحلوا دماء المسلمين كل من خالفهم في الرأي حتى وصل بهم الأمر لمهاجمة الحجاج في بيت الله الحرام وقتلهم فيه وانتهاك حرمته وسرقة الحجر الأسود ما يزيد على عشرين عاماً.

   واستمر ذلك حتى قرر الخليفة الفاطمي العزيز بالله محاربتهم بنفسه؛ فالتقت جيوشهما بالرملة في فلسطين فهزمهم شر هزيمة وكان ذلك في شهر محرم عام 368هـ الموافق 978 م. وقد استحدث الفاطميون أعياداً كثيرة لم يكُن يُحتفل بها من قبل كرأس السنة الهجرية والمولد النبوي وعاشوراء والاحتفال بقافلة الحج، بالاضافة لابتداعهم للعديد من الموالد كمولد الحسين ومولد السيدة فاطمة ومولد الإمام علي ومولد الحسن ومولد الإمام الحاضر، وقد استحدثوا أيضاً مظاهر جديدة للاحتفالات لازال يُعمل بها إلى الآن في ربوع الدول الإسلامية، كفانوس رمضان.

     وقد اهتمت الدولة الفاطمية بالأدب والثقافة والشعر حتى إن الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي أنشأ دار الحكمة عام 395 هـ لتختص بشئون الفقهاء والقرّاء والمنجمين وعلماء اللغة والنحو والأطباء، ونقل لها الكتب من خزائن القصور.

جولة في الكتب: أنا سلطان قانون الوجود (مجموعة قصصية)

لـ/ يوسف إدريس

      مجموعة قصصية مكونة من 8 نصوص، النص الأول الذي حمل عنوان المجموعة “أنا سلطان قانون الوجود” يحكي عن حادث حقيقي عاشه الجمهور المصري في سبعينيات القرن الماضي ولا زال يُحكى للآن، هو حادث مقتل مدرب الأسود “محمد الحلو” على يد (أو مخالب إن صح القول) أسده “سلطان” أمام جمهور السيرك في عرض الافتتاح، لا أعلم إن كان “يوسف إدريس” كان حاضراً ذلك العرض بالفعل وقد كتب النص معبراً عن نفسه وقتها أم أنه تقمص دور الراوي وتخيل الأحداث والمشاعر بعد أن علم بالحادث.

    فحتى من لم يعاينوا الحادث رأي العين وقتها أثر فيهم كثيراً، فقد أمضيت سنوات طفولتي وأمي تحكي لي هذا الحادث كلما أتت سيرة السيرك على الرغم من أنها لم ترى الحادث ولم تكن بين الجمهور يومها، وكانت لا تزال طفلة في الرابعة عشر من عمرها وقتها، ومعلوماتها عن الحادث استقتها فقط من التلفاز، إلا أنه أثر فيها كثيراً للدرجة التي جعلتها لا تنساه أبداً، فما بالك بكاتب كبير بحجم “يوسف إدريس”، فحتى لو لم يكن حاضراً العرض يومها إلا أن خياله الخصب وقلمه المبدع قادراً على أن يحول حادث كهذا لنص فلسفي في قمة الروعة.

    كُتب النص في 12 صفحة، أول خمس صفحات كانت توحي وكأن النص عبارة عن تقرير صحفي لأحداث اليوم، فقد أخذ يصف أجواء العرض يومها وانطباعات الجمهور والعروض السابقة، ولكن ما لبث أن تحول النص من التقريرية إلى الفلسفية، فإذا به يسبر أغوار الأسد “سلطان” ليصف لنا احساسه يومها وسبب اندفاعه للقيام بمثل هذه الخطوة الوحشية التي ندم عليها لاحقاً حتى مات من الندم، يصل “يوسف إدريس” في نهاية النص إلى فلسفة تلك الحياة التي نحياها، فمن يخاف ويضعف يُقتل، هذا هو “سلطان قانون الغابة وقانون الحضارة وقانون الإنسان وقانون كل الوجود”.

     النص الثاني “جيوكندا مصرية” هو نص شاعري رقيق مرهف الحس، يحكي قصة فتى مسلم في الرابعة عشر من عمره يرتبط بعلاقة صداقة بريئة بفتاة مسيحية في السادسة عشر من عمرها، يراها بهالة من القدسية كملاك من السماء، يراها شبيهة بالعدرة، ولا يبغي أكثر من ذلك، ولكن ما يلبث الأهل أن يضعوا أمامهم السدود ليمنعوهم من اللقاء فيضطرون للكذب واللقاء خفية “إننا ونحن أطفال وصبية نكون أكثر صدقاً مع أنفسنا ومع ما نريد، وما نريده يكون أكثر صدقاً مع الحياة نفسها، كل ما في الأمر أننا صغار في عالم لا يخضع للحياة وقوانينها وإنما ينظمه ويقننه ويحكمه الكبار، ولا بد دائماً أن يتدخلوا، فإذا فعلوا فإنما ليجبرونا، لا لنمتنع، وإنما لنراوغ ونكذب ونكرههم كما نكره العقاب”.

    يقع المحظور عندما يتحول الأمر إلى الخفاء، تتحول العلاقة البريئة إلى علاقة ذكر وأنثى، يتبادلا القبل ويراهما أبوها، لتظل بعدها حبيسة البيت حتى تزف إلى ابن عمها القادم من الصعيد، ويعيش هو الندم لأنه لم يكتفي بعلاقتهما البريئة الطاهرة ورأها أنثى ليس فقط ملاكاً “كمالك الحزين أبكي، وبالندم أحيد، والعالم كئيب، والأيام من فرط طولها عجوز رمادية شائخة، والليالي بلا منتصف أو فجر أو صباح، والعمر بلا زمن”، النص الثالث بعنوان “البراءة” صدقاً لم أفهم منه شيء!

    كان نصاً كتلك النصوص المغرقة في الرمزية التي أمقتها أشد المقت، ولكن هذا النص لفرط رمزيته قد لا يعي القارئ منه شيئاً، النص الرابع بعنوان “لحظة قمر” هو عبارة عن خاطرة لم أرى فيه أي من مكونات القصة، فلا شخصيات ولا أحداث ولا صراع، فقط رجل يمشي في شوارع القاهرة، ينظر للسماء فيرى القمر الذي غاب عنه كثيراً لكثرة البنايات وطولها الذي يحجب السماء فلا يُرى قمرها أو نجومها، النص الخامس بعنوان “حوار خاص” يعرض لجدلية وجود الإله وعنايته من عدمها.

     فبطل القصة يقود سيارته فخوراً بنفسه، يشعر أنه السيد والمتحكم في الأمر، يتسائل في داخله إذا ما كان الإله موجود أم لا، وفجأة يشعر بأن الاطارات الخلفية للسيارة قد انفجرت، ولا يمكنه ايقاف السيارة بالفرامل، فأي تغيير خارجي يطرأ قد يودي بحياته وحياة أسرته التي تركب معه السيارة، والحل الوحيد أن تحدث المعجزة التي تحدث مرة في المليون بأن تظل السيارة في طريقها لا يعترضها شيء حتى تهدأ وتتوقف من تلقاء نفسها، وهذا ما حدث بالفعل لتكون تلك اجابة سؤاله عن وجود الإله ليتسائل أيضاً: أهكذا يجيب الإله؟!

   النص السادس بعنوان “سيف يد” يصور موظفاً بسيطاً مسالماً طول عمره، يتقبل ظلم رئيسه في العمل بصمت طوال الوقت، حتى يتعلم من ابنه درساً في المواجهة عندما يضرب زميله في المدرسة لأنه يفتري عليه وينقل عنه أخباراً كاذبة، ويعلمه بطريقة ضربه له التي ينفذها في اليوم التالي مع رئيسه، وبعد أن يتضاربا ويهلكا من الضرب ينظر إلى موخرة رأسه فيرى شعره خفيفاً فيشفق عليه إذ في خلال عامين سيكون أصلعاً بالكامل.

    النص السابع بعنوان “حكاية مصرية جداً” هي حدوتة بسيطة كنكتة عن شحاذ مقطوع الساقين يطلب من سائق سيارة أجرة أن يوصله ويحكي له حكايته عن اتفاقه مع شرطي المرور ليطيل مدة الاشارة الحمراء حتى يستطيع المرور للشحاذة على السيارات المتكدسة عند الإشارة على أن يقتسم معه أموال الشحاذة واليوم يهرب منه لأنه آخر يوم له في المنطقة وغداً سيأتي شرطي جديد ليتفق مع اتفاق جديد، النص الثامن والأخير بعنوان “عن الرجل والنملة” يحكي عن السجون والمعتقلات.

    يدور النص عن قصة سجين يرغمه آمر السجن على ممارسة الجنس مع نملة!!!!! يضطر للاستجابة لذلك الأمر المجنون بالضغط على مخه وأعصابه ليتخيل نفسه ذكر نملة تثيره أنثى النملة ليضاجعها، “أتصاغر ويكسوني العرق وتطقطق عظامي وتتدشدش دون أن تصبح كفي في حجم ساق النملة لا يكاد يرى ولا بد أن أهوى بوعيي وبإرادتي على كفي وكتفي ولحمي وعظمي ورأسي وبطني وعنقي وأدق وأصغر كي أستحيل ذكر نملة، أفرز هرموناته، وأجعلها بالقوة القاهرة تستجيب لهرمونات أنثاي القابعة مستسلمة، في يدي. هكذا. رأيتها، بألف عين دقيقة لي تكونت، قد استجابت، وكفت عن الحركة، واسترخت، واضجعت. لو كانوا قد عذبوني وقطعت الجبل كله، لو ربطوني إلى ذيل حصان جرى بي القطر كله من أقصاه إلى أقصاه، ألف جلدة، لو فعلوا ما هو أكثر وأكثر لما أحسست بربع معشار ما مر علي من عذاب حتى أفلت الزمام ولم أعد أستطيع الكف وجسدي يمضي يتصاغر ليصبح نملة ويستمر نملة ويعيش ويحب ويزاول الحب نملة.. وعند لحظة النهاية فقدت الوعي..”

    ينتهي به الأمر إلى انهيار عصبي يفقده التوازن يفضي به إلى الموت في النهاية “إرادة أن أكون بشراً أفلت وصارت لي إرادة نملة لا تقوى أبداً على كتمان”.

عمارة حسن فتحي في مركز الجزيرة للفنون

كتبت: سارة الليثي

     نظم مركز الجزيرة للفنون بالقاهرة أول أمس الثلاثاء في السابعة مساءاً ندوة لمناقشة كتاب الأعمال الكاملة لحسن فتحي في ذكرى رحيله الثامنة والعشرين، أدار الندوة المهندس المعماري “عمرو رؤوف”، ودارت الندوة حول أهمية نظريات شيخ المعماريين “حسن فتحي” في حل مشاكل العشوائيات ومساكن الفقراء والريف بتوفير مساكن آدمية لهم، وكيف أن نظرياته تلك التي وضعها لخدمة الفقراء والارتقاء بالمظهر الحضاري لمصر صارت تستخدم في بناء منازل الأغنياء والمنتجعات والقرى السياحية وتجاهلت سكان العشوائيات والمقابر ليظلوا يعانون في مساكنهم الغير آدمية وتتآكلهم الأمراض نتيجة للبناء الغير صحي.

     وتطرقت الندوة إلى أهمية التخطيط للأمر برمته عند انشاء مثل هذه المساكن؛ فلا يكفي أن تنشئ الدولة قرية ما لسكان العشوائيات أو المقابر بتطبيق تلك النظريات المعمارية ولكن لا تؤهل تلك القرى للسكن فيها بتوصيل المرافق اللازمة وانشاء خطوط مواصلات عامة ذات كلفة منخفضة مع مراعاة أسعار الايجارات للسكان في تلك المناطق وإلا فما جداوهم للانتقال إليها إذا كان ذلك سيكلفهم ما لا يطيقونه مادياً حينها سيفضلون البقاء في عشوائياتهم حفاظاً على مصادرهم المادية ولقمة عيشهم.

    وأشار المهندس “عمرو رؤوف” أن هذا ما حدث بالفعل في عدة مشروعات أقامتها الدولة لنقل سكان العشوائيات لمبان وقرى جديدة فما كان منهم إلا أن رفضوا الانتقال لبعدها عن أماكن عملهم وكلفة وسائل النقل والإيجار العالية التي ستأتي على كل مصادرهم المادية ولا تبقي لهم شيئاً يقتاتون منه، وأن على الدولة الامتثال في ذلك بما فعله البارون إمبان منذ قرن من الزمان حين أسس حي مصر الجديدة فأنشأ له خطوط المواصلات اللازمة قبل انشاء الحي نفسه.

     وأضاف أن الدولة الآن تنشئ المدن الجديدة دون ربطها بالمدن القائمة بخطوط نقل ومواصلات ومرافق حيوية مما يجعل المواطنين يعزفون عن السكن فيها، ويتعلل المسئولون بارتباط المواطن المصري بشريط وادي النيل والدلتا الضيق والسكن حوله منذ قديم الزمان وأن هذا هو سبب عزوفهم عن سكنى المدن الجديدة، على الرغم من أن نفس المصري الذي يتحدثون عنه لو وجد مصدر رزق أفضل في أقصى الأرض سيذهب إليه عائماً في بحور الظلمات مع احتماليات عدم نجاته المتوقعة؛ فكيف لن يبرح وادي النيل والدلتا لو وجد فرص أفضل للحياة والسكن والعمل في المدن الجديدة؟!

    وفي نهاية الندوة تم فتح باب المناقشة والتفاعل للحضور، وقد شهدت الندوة حضوراً للمهندسين من كافة التخصصات والمهتمين بالشأن المعماري والبيئي، والذين ابدوا اعجابهم بفكر شيخ المعماريين “حسن فتحي” وأفكاره التي تناسب تطورات الزمن في كل حين.

رحلة طموح (قصة قصيرة)

  استيقظت “سمية” من نومها كعادتها كل صباح على صوت “أم كلثوم” تشدو:

يا صباح الخير ياللي معانا

الكروان غنى وصحانا

والشمس طالعة وضحاها

   اعتادت منذ طفولتها أن تستيقظ كل صباح على ذلك الصوت الشجي منطلقاً من مذياع قهوة عم “صابر” المجاورة لمنزلهم، وكانت إذا ما طرأ طارئ على عم “صابر” ولم يفتح القهوة يوماً أو تأخر عن موعده، لا تستطيع الاستيقاظ بسهولة، وتُجهد أمها حتى توقظها لتذهب إلى المدرسة، مما اضطر أمها أن تضع لها مذياعاً خاصاً في غرفتها لتوقظها به كل صباح على أغنية “أم كلثوم”، وهاهي الآن بعد أعوام طويلة لازالت عندما تريد أن تستيقظ في الصباح لابد أن تضبط منبه هاتفها الجوال بأغنية “أم كلثوم” لتستطيع الإستيقاظ.

  • اطفي الهباب ده!

    صرخت بها “عبير” زميلتها في الغرفة بنزل الفتيات، وقطعت عليها حبل ذكرياتها؛ فأغلقت رنين المنبه، في البداية كانا يتشجاران كثيراً حول هذا الموضوع خاصة أن “سمية” كانت تعدها إهانة لا تغتفر لصوت “أم كلثوم”، وعلى الرغم من أن “عبير” ذوقها لا يتعدى “أوكا وأورتيجا” إلا أنها لم تكن تقصد أي إهانة لأي أحد، ولكن إصرار “سمية” على أن تضع تلك الأغنية نغمة للمنبه الذي يوقظها في السابعة صباحاً بل واستمتاعها بالاستماع إليها لمدة دقيقة كاملة حتى يتوقف المنبه تلقائياً هو ما كان يثير أعصاب “عبير” التي تود استكمال نومها بأمان دون إزعاج.

  استغرق منهما وقتاً طويلاً حتى يستطيعا فهم بعضهما البعض وتكوين صداقة بينهما على الرغم من اختلاف أذواقهما، ولكن بالرغم من ذلك ظلت “سمية” على اصرارها بوضع تلك الأغنية نغمة منبهها الصباحي، ولكنها لم تعد تتشاجر مع “عبير” عندما تصيح بها طالبة منها اغلاق ذلك المنبه.

  خرجت “سمية” من غرفتها متوجهة إلى المطبخ؛ لترى ماذا تعد الفتيات للفطور وتساعدهم فيه.

  • هتعملوا ايه على الفطار النهاردة؟
  • هنعمل ايه يعني؟ كالعادة بيض وفول وجبنة.
  • عايزين أي مساعدة؟
  • ليه هو حضرتك مستنية نحضر احنا الأكل ونجيهولك لحد عندك وانت قاعدة ملكة في مكانك؟!
  • طب أعمل ايه يعني؟
  • اعملي اللي تعمليه، على الأقل تقدري تغسلي المواعين وتطلعي الطباق برة على الترابيزة!

  ذهبت “سمية” لغسل الصحون في حوض المطبخ، وهي متألمة من طريقة كلام تلك الفتاة معها، ولكنها اعتادت على ذلك واصبحت لا تشكو لأحد من أحد، ولماذا تشكو إذا كان لا أحد يسمعها من الأساس، كل منهن لديها مشاكلها وإحباطاتها التي تفرغها على من حولها، وما من واحدة منهن لديها الاستعداد لتتحمل هموم ومشكلات الأخرى فما بها يكفيها بل ويفيض إذا ما وجدت أحد تفيض له ولكن لا أحد لهن!

  انتهت الفتيات من اعداد الإفطار وجلسن جميعاً يتناولن الإفطار معاً وهن يتبادلن الحديث والنكات، وبعد أن انتهين من تناول الإفطار ذهبت كل منهن إلى عملها كالمعتاد، وتوجهت “سمية” إلى دار الأوبرا لتزاول تدريباتها المعتادة مع الكورس. لقد أتت إلى القاهرة منذ عامان على أمل أنها ستصبح مطربة مشهورة ولكن للأسف مضى عامان كاملان وهي لا تزال عند نقطة البداية لم تتحرك شبراً واحداً منها، كانت تظن أن صوتها سيفرش لها طريقاً من الورود لتسيره بمنتهى السهولة.

  ولكنها اكتشفت الحقيقة المرة: لم يعد الصوت الشجي هو السبيل للغناء بل أضحت هناك سبل عديدة لم يعد من ضمنها إطلاقاً روعة الصوت من عدمه، ولتصل إلى تلك الحقيقة صدمت مرات عديدة على أبواب المنتجين الموسيقيين والملحنين الذين كان سؤالهم دائماً عن حجم التنازلات الأخلاقية التي هي على استعداد لتقديمها لهم ليفتحوا لها أبواب المجد والشهرة، ولم يسألها أحد يوماً عن مدى روعة صوتها الذي تسعى لإيصاله للجمهور، بل لم يحاول أحداً منهم أن يستمع إلى صوتها ولو مرة واحدة من الأساس.

  كانت أحياناً كثيرة يتسلل اليأس إلى نفسها وتتسائل عن جدوى بقائها في القاهرة وتضحيتها بأهلها ورضاهم عنها لتجري وراء حلم كالسراب؛ فقد حاربت العالم كله لأجل ذاك الحلم الذي كلما خيل إليها أنها اقتربت منه تجده كالسراب، أبعد ما يكون عنها، لقد أحبت الغناء العربي الأصيل منذ نعومة أظافرها، كانت تمضي أغلب أوقاتها تستمع إلى غناء “أم كلثوم” و”عبد الوهاب” و”فيروز” و”نجاة الصغيرة” و”فريد الأطرش” و”أسمهان” و”عبد الحليم حافظ” و”صباح”، ولكن “أم كلثوم” بالنسبة لها كانت القامة والهرم الذي لا تظن أنه سيتكرر يوماً ما.

    كانت عائلتها تجتمع يومياً في الثانية عشرة مساءاً جوار المذياع ليستمعوا إلى احدى حفلات “أم كلثوم” على إذاعة الأغاني ويسترجعوا معها الذكريات، كانت دائماً ما تستمع من والديها عن ذكرياتهما مع حفلات “أم كلثوم” عندما كانا صغاراً، فقد حضر كلاً منهما عدة حفلات مع أهله وقتها، كانت عائلاتهما تسافر خصيصاً إلى القاهرة في الخميس الأول من كل شهر لحضور حفلة “أم كلثوم”، ونادراً ما فاتهم احدى حفلاتها، وكثيراً ما اكتشفا أنهما حضرا نفس الحفلة وتضاحكا على ذلك وظنا أنهما قد تلاقيا في صغرهما.

   كانت تجلس بين والديها تستمع إلى “أم كلثوم” وإلى ذكرياتهما معها قبل أن تخلد إلى النوم؛ فكان آخر ما يطرق سمعها وأول ما تستيقظ على سماعه يومياً هو صوت “أم كلثوم”، كانت تتباهى بين زميلاتها في المدرسة بحبها لـ”أم كلثوم” في الوقت الذي كانت لا تطيق الواحدة منهن الجلوس ساعة كاملة وربما أكثر للاستماع إلى احدى أغاني “أم كلثوم”، وكانت دائماً ما تجد التشجيع من أهلها ومعلميها عندما تتبارى في الحفلات المدرسية أو العائلية بتقليد “أم كلثوم” وغناء بعض من أغانيها.

  ولكن عندما كبرت وصرحت بحبها للغناء ورغبتها في امتهانه والالتحاق بمعهد الموسيقى العربية في القاهرة لدراسته فوجئت برفض عارم وهجوم شديد لتكتشف بين ليلة وضحاها أن الغناء حرام، لم إذاً لم يكن حراماً عندما كانوا يجتمعون يومياً لسماع أغاني “أم كلثوم” في الإذاعة؟! لم لم يكن حراماً عندما كانوا يذهبون لحضور حفلات “أم كلثوم” مع أهاليهم ويسافرون خصيصاً ويقطعون المسافات الطويلة لحضورها؟! لم لم يكن حراماً عندما كانوا يتباهون بجمال صوتها وحفظها لكل أغاني “أم كلثوم”؟!

    لم لم يكن حراماً عندما كانوا يطلبون منها في كل حفلة أو اجتماع عائلي أن تغني لهم مما غنت “أم كلثوم”؟! أفجأة أصبح الغناء حراماً؟! وكيف يكون الغناء حراماً وقد خلق الله الكون يغني؟! أليس الله هو من خلق الطيور بأصواتها المختلفة تشكل لحناً غنائياً رائعاً؟! أليس صوت هدير المياة وارتطامها بالصخور وصوت الأمطار وقت هطولها تحيى الأرض البور يعزف نوتة موسيقية ربانية رائعة؟! أوليس صوت الرياح وهي تداعب أغصان الشجر تشكل معزوفة لحنية غاية في الطرب؟!

    ألم يكن نبي الله “داوود” يترنم بتسابيحه وابتهالاته لله بما عُرِف إلى الآن بمزامير داوود، وكانت تجتمع الإنس والجن بل والحيوانات لتطرب من ترانيمه؟! ألا يتبارى مقرئوا القرآن في إبراز أصواتهم والتغني بآيات الله؟! أولم يحثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ذلك قائلاً في صحيح البخاري: “ليس منا من لم يتغن بالقرآن”؟! فكيف بعد ذلك كله يحرمون الغناء ما لم يتفحش بقول أو يحض على حرام؟! وقد كان للغناء طوال العصور مكانة عالية في الدولة الإسلامية.

    لقد كان للمغنيين والموسيقيين والشعراء منزلة رفيعة عند خلفاء المسلمين في كل العهود، بل إن الموسيقى الحالية تعتمد في كثير منها على القواعد والنظريات التي وضعها علماء الإسلام في الموسيقى أمثال: “الفارابي” و”زرياب” و”أبو الفرج الأصفهاني” و”الكندي” و”الموصلي”، والذين يعدوا هم واضعوا علم الموسيقى في الأساس، فكيف إذاً صارت الموسيقى والغناء حراماً بعد قرون من رحيلهم؟! أسئلة كثيرة لم تجد لها جواباً شافياً عندهم، فقط ما وجدته كان التعنت والرفض القاطع لامتهانها الغناء وكأن الغناء سيجلب لهم العار ويفقدهم هيبتهم في المجتمع.

    ولأنها كانت لا تزال صغيرة حينها لا تمتلك قرارها بيدها ولا تستطيع حزم أمرها بنفسها، حاولت الوصول معهم لحل وسطي يرضيها ويرضيهم؛ فاقترحت عليهم دراسة الموسيقى بكلية التربية النوعية في محافظتهم بصعيد مصر؛ فوافقوا ظناً منهم أن هذا قد يشبع حبها للموسيقى والغناء وأن عملها كمدرسة بعد التخرج سيلهيها عن حلمها في الغناء، وقنعت هي مؤقتاً بهذا ظناً منها أنها خلال فترة دراستها بالكلية ستستطيع اقناعهم بحلمها عندما تصقل موهبتها بالدراسة ويرون بأعينهم تفوقها، ولكن آمالها تلك تحطمت على صخرة الواقع!

   بعد تخرجها عرض عليها أحد أساتذتها السفر إلى القاهرة للتدريب في الأوبرا لتصقل موهبتها وتجد طريقاً لها، كادت أن تطير من الفرح عندما عرض عليها ذلك، ولكن عندما أخبرت والديها بذلك أسودت الدنيا في وجهها، فلقد خيروها بينهم وبين المضي قدماً في تحقيق حلمها، لم تشفع لها دموعها وتوسلاتها، فلم يكن أمامها إلا أن تختار أن تسير وحدها على الطريق دون دعم أو دعوة طيبة تذلل لها الصعاب، حتى إن حبيبها الذي وهبته قلبها لم يستطع تفهمها، لم يقدر موهبتها ولم يمنحها حقها في الحلم.

    فقد خيرها هو أيضاً ما بين حلمها وبين زواجهما، لقد رأى أن وقوفها على المسرح للغناء انتقاصاً لرجولته واهانةً لكرامته، أخبرها أنه لم يكن يناقشها من قبل ظناً منه أنها ستنضج يوماً ما وتتخلى عن تلك الأحلام الطفولية وتعي أن هناك مسئوليات من المنتظر منها القيام بها، آلمها أنها أحبت يوماً رجلاً أنانياً بقدره، لا يرى فيها سوى تابعة له، تحقق له ما يصبو إليه من أحلام، وليس من حقها أن تحلم لنفسها بشيء، ويكفيها فخراً أن يكون هو راضياً عنها!

  لم يشجعها أحد البتة في تحقيق أحلامها، حتى صديقاتها رغم تعاطفهن معها إلا أنهن حاولن إثنائها كثيراً عن المضي في طريق حلمها، خوفاً منهن عليها من تبعات ذلك الطريق وتخلي أهلها عنها، إلا أنها أصرت على المضي في طريقها وضحت في سبيله بكل غالي ونفيس، وظنت أنها عندما ستصل إلى هدفها دون أن تضحي بأخلاقها وقيمها ستثبت لأهلها أنها كانت على حق وستجعلهم فخورين بها، ولكن طال الطريق بها ولم تصل لشيء بعد، حتى بدأ اليأس يدب في قلبها.

    كانت تشتاق كثيراً لحضن أمها لترتمي فيه وتشكو لها من قسوة الحياة، كانت كلما رأت رجلاً أو امرأة كبيري السن في الشارع تذكرت والديها وسارعت بمساعدتهما في عبور الشارع أو حمل ما يثقلان بحمله، طالبة منهم دعوة طيبة تهون عليها غربتها عن والديها، وآملة في نفسها أن يكون ذلك سبباً في تليين قلب والديها عليها يوماً ما.

  وذات يوم –ربما كان ذلك يوم حظها- كانت في الأوبرا كالعادة تغني مع الكورس في إحدى الحفلات، وبعد انتهاء اليوم، لم تكن لديها الرغبة في العودة إلى نزل الفتيات في ذلك الوقت؛ دخلت احدى القاعات وظنت نفسها وحدها لا يسمعها أحد فوقفت تغني بإندماج احدى أغنيات “أم كلثوم” الرائعة:

لسة فاكر قلبي يديلك أمان

ولا فاكر كلمة هتعيد اللي كان

ولا نظرة توصل الشوق والحنان

  وبعد أن أنهت الأغنية وجدت من يصفق لها بحرارة؛ فنظرت نحوه فوجدته الملحن والمغني الشهير “محمد يوسف” ولم تدري ماذا تفعل وتسمرت مكانها حتى اقترب منها يسلم عليها محيياً ومعلناً عن إعجابه الشديد وانبهاره بصوتها، سألها: اسمك ايه؟

  • سمية محمد محمود.
  • سومة؟

  أومأت برأسها في خجل فقد كان ذاك اسم الدلع الذي يطلقه عليها والديها تيمناً بـ”أم كلثوم”، وقد سمياها “سمية” حتى يناديها بذلك الاسم، فقد كان من الصعب أن يسمياها “أم كلثوم” في ذلك العصر كان سيبدو اسماً كبيراً لطفلة صغيرة؛ فاختارا لها اسم “سمية” حتى يناديها بـ”سومة”.

  • انت صوتك رائع.
  • لا، أنا كنت بس….
  • ششششششش، بجد انت غنيتي أحسن مني أنا شخصياً!
  • حضرتك بتجاملني أكيد!
  • لا، أنا مبهزرش ولا بجامل في حاجة تخص الغنا والموسيقى، انت نفسك تبقي مغنية مش كدة؟!
  • مين قال كدة؟
  • أنت، نظرة عينك وهي بتبص على صورة “أم كلثوم” على الحيطة وانت بتغني أغنيتها كانت زي نظرة الطفل اللي بيبص للقمر وعايز يلمسه، لدرجة إنك محستيش بوجودي، النظرة دي قالت لي كل حاجة.
  • كل الناس بتبص للقمر ونفسها توصله ايه المميز في كدة؟
  • البداية، كل الناس بتبص للقمر وبتحلم بيه، لكن مش كلهم بيحاولوا فعلاً يوصلوا ليه ويلمسوه بأيديهم، أنت عندك الإرادة اللي تخليكي توصلي بس محتاجة حد يزقك.
  • ايه اللي سمعته في صوتي مسمعهوش حد قبل كدة؟! أنا حاولت كتير بس محدش رضي يديني فرصة!
  • عشان كدة أنا هنا؛ عشان أديكي الفرصة دي.

راجعت خيباتها المتلاحقة في ذهنها فبادرته قائلة بنظرة شك: أنا مش من البنات إياهم.

ضحك قائلاً: وأنا مبقولش الكلام ده لبنات من إياهم.

  • آسفة، لكن على رأي المثل: “اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي”.
  • تمام يبقى أشوفك بكرة.

 وأعطاها بطاقته، وسلم عليها راحلاً، لم تكن تعي ما حولها من الفرحة، لم تكن تعلم إذا ماكانت تحلم أم أن ما حدث حقيقة، ظلت تنظر طويلاً للبطاقة وهي لا تصدق نفسها، لم تنم ليلتها، وفي الصباح الباكر توجهت إلى مكتبه، كان جاداً حولها، وجدته قد قرر أن يطلقها كمغنية في احتفالات رأس السنة الجديدة، كان قد نظم لها جدولاً حافلاً للتدريب طوال الشهر المتبقي، واختار لها افضل الكلمات ووضع لها أرقى الألحان، أمضت شهراً حافلاً بالتدريبات والتسجيلات وهي لا تزال غير مصدقة لما يحدث.

    بدأت أخبار اطلاقها تستحوذ على معظم الأخبار الفنية، واعلانات ألبومها الغنائي تغرق شاشات التلفاز ومحطات الإذاعة، الكثيرون ينتظرون سماعها بفارغ الصبر، ووصلت أخبارها لأهلها، فوجئوا بها وفوجئوا أنها لا زالت ابنتهم التي ربوها، لم تتنازل عن أخلاقها وقيمها لتصل إلى ما هي عليه، لازالت ببرائتها تلك تكسو وجهها، لم يخدش حيائها شيء، وقبل أول حفل لها فوجئوا بالملحن “محمد يوسف” يطرق بابهم راجياً منهم حضور حفلها الأول؛ فقد كان يعلم جيداً أن ذلك سيعني لها الكثير ويعلم أيضاً أن كبرياء الأب والأم سيمنعهما من اتخاذ تلك الخطوة وحدهما دون أن يخبرهما أحد كم تشتاق لهما ابنتهما وكم تحتاجهما إلى جوارها.

   وقفت أمام المرآة تستعد إلى حفلها الأول، ارتدت أبهى فستان، وعلى الرغم من سعادتها البالغة إلا أنها كانت تغالب دموعها، فكم كانت تتمنى وجود والديها معها في ذلك اليوم، حاولت التماسك لتصعد إلى المسرح وتغني لجمهورها الذي انتظرها بفارغ الصبر، وما إن بدأت فقرتها واعتلت المسرح حتى فوجئت بوالديها يجلسان في مقدمة الصفوف وأعينهما تغرورق بالدموع وهما يصفقان لها بحرارة، لتجد دموعها تنساب رغماً عنها، وتعلن أن أغانيها اليوم مهداة إلى والديها فقط اللذان كان لهما الفضل الأكبر في حبها للغناء الراقي والموسيقى ولولاهما لما وقفت يوماً على ذاك المسرح.

المشاركة السياسية للمرأة في التاريخ المصري

بقلم: سارة الليثي

  لعبت المرأة دوراً مهماً في المجتمع المصري على مر العصور، وكان لها مكانة خاصة ودور فعال في مختلف المجالات حيث تساوت مع الرجل وتقلدت أمور السياسة والحكم عبر مراحل مختلفة من التاريخ المصري.

 

في العصر الفرعوني:

 

   ذخر التاريخ الفرعوني بملكات مصريات كان لهن دوراً كبيراً في حكم مصر ونهضتها، فقد حكمت “حتشبسوتمصر فى الفترة من 1479 ق.م حتى 1457 ق.م. وكانت واحدة من أقوي حكام مصر في تلك الحقبة من الزمن‏، حيث شهد عهدها ازدهاراً اقتصادياً كبيراً وقوة عسكرية يخشاها أعداء مصر‏، وقد حاول البعض تغيير الحقائق بادعاء انها كانت ترتدي زي الرجال لكي تتشبه بهم مما يكسبها القوة والقدرة علي إدارة أمور البلاد‏،‏ إلا أن الدراسات الأخيرة التي تمكن من خلالها التعرف علي مومياء الملكة والموجودة الآن في المتحف المصري‏،‏ أوضحت وجود علامات تؤكد اصابتها بمشاكل جلدية.

  مما يعني أن “حتشبسوت” كانت ترتدي ملابس تغطي كل أجزاء جسمها حتي لا تظهر تلك الأعراض الجلدية‏، فالملوك والحكام في تلك الأزمنة كانوا يحجبون عن الناس مشاكلهم الصحية‏ باعتبارها أشياء تخصهم ولا تخص غيرهم‏، وهكذا أثبتت الأيام من خلال الدراسات العلمية أن تلك الملكة كانت تحكم وتدير أمور مصر بنجاح معتمدة علي شخصيتها وقدرتها علي الإدارة والانجاز وليس تشبها بالرجال‏.‏ كما كان هناك الملكة “تي” و”نفرتاري” والدة وزوجة “اخناتون” اللاتي سانداه في مبدأه الديني وتوحيده للألهة في إله واحد وكان لهما دوراً كبيراً في التاريخ المصري.

  وأيضاً “كليوباترا” التي قادت حروباً للدفاع عن استقلال مصر وحتى لا تهيمن عليها الإمبراطورية اليونانية، وعندما فشلت فضلت الإنتحار على أن ترى بلدها أسيرة الإحتلال والمحتل يعيث فيها فساداً لصالح بلاده!

 

 

في عصر الاحتلال:

 

   شاركت المرأة المصرية منذ عام1881 في الجهود الشعبية التي بذلت لمكافحة الاحتلال إبان الثورة العرابية وكان دورها مؤثراً خصيصاً في توصيل الرسائل بين الثوار، كما شاركت المرأة في المسيرات والمظاهرات ضد الاحتلال الانجليزي، فيوم السادس عشر من مارس عام 1919 يمثل علامة مضيئة فى تاريخ المرأة المصرية. وكانت هناك رموز واضحة لتلك الفترة من أبرزها السيدة “صفية زغلول” التي تبنت الحركة السياسية المصرية فى غياب زوجها الزعيم “سعد زغلول” وفتحت بيتها لرموز الشعب فوصف بيتها (ببيت الأمة) ولقبت هي بأم المصريين.

   وفى 16 يناير عام 1920 قامت مظاهرة نسائية من باب الحديد إلى عابدين تهتف ضد الاستعمار بقيادة “هدى شعراوي” وعدد من الرموز النسائية وقتها. وفى عام 1925 تقدم الاتحاد النسائي المصري بعريضة إلى رئيسي مجلس الشيوخ والنواب مطالبة بتعديل قانون الانتخاب بما يضمن مشاركة النساء فى الحقوق الانتخابية، وعقد أول مؤتمر نسائي عربي فى القاهرة عام 1938. وشهدت الأربعينات من القرن العشرين ارتفاعاً فى مستوى الوعي بين النساء وتمثل ذلك فى زيادة التوجه السياسي للحركة النسائية، وتكونت أول جماعات نسائية تدافع وتطالب بمشاركة المرأة في الحياة السياسية مثل (حزب نساء مصر).

 

بعد ثورة يوليو 1952:

 

   بموجب دستور 1956 -الذي وضع بعد ثورة يوليو- نصت المادة31 على أن “المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة” وبفضل هذه المادة حصلت المرأة على حقوقها السياسية حيث انتصر للمرأة حينذاك مناخ الرغبة فى التغيير وفى المساواة بين مختلف طوائف الشعب، حيث رؤى ان حرمانها من تلك الحقوق يتنافى مع قواعد الديمقراطية التي تجعل الحكم للشعب كله وليس لجزء منه فقط.

   وفي عام 1957 رشحت ست نساء أنفسهن للبرلمان فازت منهن اثنتين .وفى أكتوبر 1962 تم تعيين أول وزيرة امرأة في مصر وكانت لوزارة الشئون الاجتماعية (د. حكمت أبو زيد).

 

 

في العصر الحالي:

 

  من واقع الإحصاءات فإن نسبة مشاركة المرأة المصرية في الحياة السياسية لا تتعدى 5%؛ بينما لا تتعدى مشاركتها كنائب في البرلمان 2% وتأتى مشاركتها في الانتخابات المختلفة لتعكس تدنى واضح في نسب المشاركة حيث لا يذهب للتصويت من بين 3.5 مليون مواطنة لها حق التصويت سوى أقل من مليون. و مصر لا تزال في وضع متدني فيما يتعلق بوضع المرأة في المجالس الشعبية المحلية حيث تقل نسبة تمثيل النساء فيها كثيراً عن 5%، وهو ما يقل كثيراً عن نسبة تمثيلها على نفس المستوى في دول مثل: ناميبيا وبوليفيا والهند، وهي دول تطبق بعض أشكال التمييز الإيجابي للمرأة على المستوى المحلي.

  إلا أن دور المرأة المصرية في المشاركة السياسية في الوقت الراهن برز بشكل آخر في مشاركتها في ثورة يناير 2011 بالتظاهر والإعتصام بميدان التحرير، وكانت كتفاً بكتف مع الرجل وسقط منهن شهيدات كثر واعتقل منهن الكثيرات، ومازالت المرأة المصرية من مختلف الأعمار بدءاً من الفتيات صغيرات السن حتى النساء العجائز هن وقود الثورة سواء بمشاركتهن الشخصية في المظاهرات والمسيرات السلمية أو بتشجيعهن لأبنائهن وأزواجهن بالمطالبة بحقوقهم في الحياة الكريمة على أرض وطنهم وصبرهن على اعتقالهم أو استشهادهم.

 

 

اللاجئون الفلسطينيون أقدم وأطول واكبر مأساة إنسانية للاجئين فى القرن العشرين

بقلم: سارة الليثي

يمثل اللاجئون الفلسطينيون شعباً بأكمله تم طرده تحت وطأة الإرهاب المسلح، ثم اغتصبت ممتلكاته وأمواله، ومما يضاعف من بشاعة هذه القضية أنها حولت هؤلاء المواطنين من عرب فلسطين إلى لاجئين، وأولى موجات الهجرة الفلسطينية جرت تحت ضغط الإرهاب الصهيونى منذ العام 1947م، بعد أن أعلن قرار التقسيم فى نوفمبر 1947م، فكانت موجات الإرهاب الصهيونى تقتحم على العرب بيوتهم، وهكذا بدأ العرب ينزحون عن بيوتهم، وكان نزوح أهل فلسطين الجماعى موضع لوم لهم، فقد اعتبر من أسباب تيسير قيام الدولة اليهودية.

غير أنه من الناحية الفعلية فرار العرب من مواقع القتال والمذابح، أو هجرتهم من أرض انتزعت ملكيتها منهم لا يفقدهم من الناحية القانونية حقهم فى أملاكهم، وأراضيهم، وبلغت الهجرة قمتها بعد حرب 1948م، حيث بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين خلال تلك الفترة نحو 1.1 مليون مواطن فلسطينى، تشتتوا بين الدول العربية المجاورة، وأقيمت معسكرات لإيوائهم لحين يتم حل قضيتهم حلاً عادلاً فى ضوء الحقوق التى يكفلها القانون الدولى للاجئين السياسيين، وتنفيذاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة، لكنها تجمدت بسبب عدم تنفيذ الكيان الصهيونى لهذه القرارات بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية.

وإمعاناً فى طمس الحقائق أعلنت إسرائيل أنها لم تطرد اللاجئين، بل هم الذين تركوا فلسطين بإرادتهم، وبناء على طلب زعمائهم الذين أرادوا أن يفسحوا الطريق لتقدم وزحف الجيوش العربية وإلقاء اليهود فى البحر، ولم تكتف إسرائيل بذلك بل عمدت إلى طرد ثلاثمائة ألف لاجئ جديد من الضفة الغربية بعد عدوانها فى الخامس من شهر يونيو سنة 1967م، واستولت على أملاكهم. فتضاعفت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا هم أيضاً إلى الدول العربية المجاورة: الأردن وسوريا ولبنان.

 وتدخلت هيئات إغاثة دولية كثيرة، للإشراف على عودة جانب من هؤلاء اللاجئين إلى مدنهم وقراهم فى الضفة الغربية، لكن إسرائيل رفضت، بل وقامت بتنفيذ سياسة بناء المستوطنات الصهيونية فى الضفة الغربية والقطاع، لإسكان المستوطنين الصهاينة فيها. وتمسك اللاجئون الفلسطينيون بحقهم فى العودة إلى أرضهم، ورفضوا كل مشاريع توطينهم خارج أرضهم، والتى وصلت إلى 243 مشروعاً، ورغم أن الأمم المتحدة أصدرت أكثر من 110 قرارات بحق اللاجئين فى العودة، إلا أن أيا منها لم ينفذ بسبب إصرار الكيان الصهيونى على رفضها، وعدم جدية الدول الكبرى والمجتمع الدولى فى إجباره على ذلك.

 ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من الأرض المحتلة منذ عام 1948م، وحتى وقتنا هذا أكثر من خمسة ملايين، بالإضافة إلى ما يقرب من نحو مليون فلسطينى من أبناء الضفة والقطاع محرومون من حق العودة إلى أرضهم، وتمثل قضية اللاجئين الفلسطينيين أقدم وأطول واكبر مأساة إنسانية للاجئين فى القرن العشرين. وقد أقرت الأمم المتحدة فى إحدى وثائقها بأن ثمانية ألاف من المقدسيين قد فقدوا صفة “مقيم” فى القدس لمجرد أنهم أخفقوا فى إثبات وجودهم فى المدينة عندما كانت السلطات الإسرائيلية تقوم بإجراء تعداد للسكان عام 1967م.

 وتضيف الوثيقة أن الحصول على صفة “مقيم” لا يعنى التمتع تلقائياً بحقوق المواطنة أو حتى ضمان الإقامة المستمرة، كما أن الفلسطينيين الراغبين فى السفر إلى الخارج يمنحون تصاريح خروج سارية المفعول لمدة تتراوح بين عام وثلاث أعوام، ويتعرض هؤلاء المسافرون لخطر الحرمان من حق العودة إلى مدينتهم فيما لو أخفقوا فى تمديد التصاريح قبل نهاية صلاحيتها، وقد شهد عام 1996م حملة إسرائيلية واسعة النطاق من مصادرة لبطاقات الهوية الفلسطينية للمقدسيين الفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر غير إسرائيلية.

وقد استمرت سلطات الاحتلال فى الضغط على الفلسطينيين لطردهم من ديارهم، وحاولت الجامعة العربية متابعة الاتصالات التى تقوم بها البعثات السياسية لدى الدول التى يتم تهجير الفلسطينيين إليها لإقناعها بعدم إفساح المجال لمثل هذا التهجير، بإعادة من يجرى تهجيرهم من المواطنين الفلسطينيين إلى بلادهم بالإضافة إلى إجراء الاتصالات اللازمة بالمواطنين فى الداخل لتحذيرهم من عواقب هذا التهجير والضغط لدى وكالة الإغاثة لكى لا تساهم بأى شكل من الأشكال فى برنامج التهجير، وقد سعت الجامعة العربية لدى الدول الأجنبية بمنع إعطاء الفلسطينيين تأشيرات دخول إليها ما لم يكن لديهم تأشيرة عودة. وكذا التأكد من إيجاد الآليات الكفيلة لحل عادل لمشكلة اللاجئين مع رفض كافة المخططات التى ترمى إلى حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم خارج فلسطين.

ولازالت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على طاولة المفاوضات بدون حل يتخذها الساسة والحكام كارت ضغط لا أكثر بدون سعي جاد لحلها ليدفع ثمن لعبة السياسة القذرة تلك مواطنين بؤساء حكم عليهم بالتشتت في دول مختلفة والبعد عن أهلهم وأرضهم، أقصى أحلامهم أن ينعموا يوماً بالعودة إليها وأن تضمهم أرضها وإن كانوا رفاتاً!

 

المصادر:

  1. إيمان محمد عبد المنعم عامر، الجامعة العربية ومشكلة اللاجئين (القاهرة – مجلة كلية الآداب – المجلد 6 – عدد 4 – وحدة النشر العلمى – كلية الآداب – جامعة القاهرة – 2000)
  2. محسن محمد سليمان صالح، فلسطين بلادنا الحبيبة (القاهرة – مؤسسة الفلاح للنشر والتوزيع – 2001)
  3. القدس، ، arobleagueonline.org/las/arabic/details-ar.jsp?art_id=174&level_id=50&page_no=2
  4. أيمن المهدى – سمير السيد، فى الملتقى العربى الدولى لحق عودة اللاجئين (القاهرة – جريدة الأهرام – عدد 44548 – مؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع – 24 نوفمبر 2008)

مصطفى أمين .. أستاذ الصحافة الحديثة

كتبت: سارة الليثي

   “مصطفى أمين” هو أستاذ الصحافة المصرية الحديثة، وهو مؤسس جريدة “الأخبار” عام 1944م مع أخيه التوأم “علي أمين”، والتي كانت نبراساً لباقي الصحف المصرية وقائدة التطوير، وهي التي حولت اهتمام الصحف من المقالات إلى الأخبار، وظهر فيها السبق الصحفي والتحقيقات الهامة بعد أن كانت جميع الصحف المصرية تعتمد فقط على مقالات كبار الكتاب. وقد ولد “مصطفى أمين” في شهر فبراير من عام 1914م.. وبالطبع ولد “علي أمين” توأمه في نفس التاريخ.

    نشأ التوأمان في بيت خال الأم –الزعيم “سعد زغلول”- (بيت الأمة) وعاشا طفولة مثيرة.. وكانت الحكايات التي يرويها “سعد زغلول” أهم وأكثر إثارة لهما من حكايات الأطفال.. وتعلموا منه الديمقراطية والاعتماد على النفس.. وأن يفتخرا بانتمائهما للفلاحين، ويعتزوا بمصريتهما.. وانتقل التوأمان مع أسرتهما إلى دمياط، وهناك عاشا جانباً من ثورة 1919م، وشاركا فيها وكان سنهما وقتها يقترب من السابعة؛ فأقاموا مسرح في أحد الشوارع مع صديقهما “جلال الدين الحمامصي” ليقدموا من خلاله الأناشيد والأغاني التي كانوا يسمعوها في القاهرة.. وأثار الحفل إعجاب كل المشاهدين.

    وشاركا أيضاً في الثورة بطبع المنشورات مع ابن عمهما، وكان “مصطفى أمين” يشارك في صياغة هذه المنشورات، حتى إن أباه كان يعتقد أن هناك خلية ثورية هي التي تقوم بطبع هذه المنشورات.. ولم يدر بخاطره أن ولديه هما هذه الخلية الثورية.. وعندما عادا إلى القاهرة كانا يشاركان في تهريب المنشورات التي كانت تطبع في بيت الأمة، وكانا يضعاها داخل كرة القدم وجرادل الأطفال.. وكانت أول صحيفة أصدرها التوأمان “مصطفى وعلي أمين” باسم “الحقوق”، وهما لا يزالا في المرحلة الابتدائية، وكانت جريدة منزلية تحمل أخبار البيت الذي يعيشا فيه.. ولأنه بيت الأمة فقد كانت تحمل أخبار مصر كلها..

   ثم تحولوا إلى إصدار جريدتهما في المدرسة وتوزيعها على زملائهما مقابل سن ريشة جديدة للنسخة.. وأصدرا بعدها مجلات أخرى، منها: “البيان” و”حارة البابلي”، وقد ورث “مصطفى أمين” عن أمه الإصرار والصمود والعناد، وهي التي شجعته على الالتحاق بالجامعة والحصول على الشهادة الجامعية، فقد شغل موقع نائب رئيس تحرير مجلة “روز اليوسف” وهو في السابعة عشر من عمره وهو لا يزال يدرس في المرحلة الثانوية ويترأس محررين يحملون شهادات جامعية، ولم يكن يرغب في مواصلة دراسته بالجامعة.

   ولكن أمه أصرت على أن يواصل دراسته، حتى حصل على ماجستير في العلوم السياسية. وكان “مصطفى أمين” سبباً في التحاق أخيه “علي أمين” بمهنة الصحافة، فقد كان ينشر له رسائله التي يرسل له بها من لندن –أثناء دراسته الهندسة هناك- موقعة باسم “السندباد البحري” في “روز اليوسف”. وقد شجع ذلك “علي أمين” أن يلتقي بشخصيات صحفية مرموقة في لندن، ويجري عدة مقابلات صحفية مهمة هناك، وبعد عودته عملا معاً في جريدة (المصري) في منتصف عام 1934م.

   وفي الفترة من عام 1938م وحتى عام 1944م تولى “مصطفى أمين” مواقع قيادية وصحفية مؤثرة في أكثر من مكان، فقد تولى رئاسة تحرير مجلة “آخر ساعة” في أبريل 1938م، وإلى جانب ذلك رئيساً لقسم الأخبار بالأهرام ورئيساً لتحرير مجلة (الاثنين) التي كانت تصدرها دار الهلال في 1939م، بالإضافة إلى قيامه بالتدريس في قسم الصحافة بالجامعة الأمريكية في الفترة ما بين عامي 1941م و1944م، وفي نهاية 1944م أصدر “مصطفى أمين” وتوأمه “علي” جريدة “أخبار اليوم” الأسبوعية، وكان أكثر ما يميزها الخبطات الصحفية التي كانت تنفرد بها والتي كان “مصطفى أمين” وراء معظمها.

   كان “مصطفى أمين” شديد الإيمان بأهمية دور المرأة في المجتمع، وكثيراً ما كان يقول أنني مدين بكثير من أسباب نجاحي للمرأة.. ولذلك فقد كافح كثيراً من أجل حصول المرأة على كافة حقوقها، وطالب بأن تحصل المرأة على حق الانتخاب وحق الترشح ودخول البرلمان وأن تكون وزيرة. وإلى جانب ذلك كان “مصطفى أمين” صاحب العديد من الأفكار الإنسانية التي جسدها من خلال “أخبار اليوم”، مثل: مشروع ليلة القدر، وعيد الحب الذي حدد له يوم 4 نوفمبر من كل عام، وكذلك عيد الأم الذي حدد له يوم 21 مارس، وعيد الأب والذي حدد له 12 مارس من كل عام.

  وسجن “مصطفى أمين” مرات عديدة: عام 1928م قبض عليه أثناء اشتراكه في مظاهرة ضد الدكتاتورية وسقوط “محمد محمود” باشا، وقبض عليه مرة أخرى بتهمة تنظيم إضرابات في المدارس الثانوية احتجاجاً على إلغاء دستور 1923م، وصدر قرار بفصله من جميع المدارس الحكومية وحرمانه من الامتحانات.. وفي عام 1940م حكم عليه بالسجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ؛ لتطاوله على ولي العهد، ويذكر أنه قبض عليه في عهد “مصطفى النحاس” عام 1951م ستة وعشرين مرة. وألقي القبض عليه أيضاً في 24 يوليو 1952م، وظل محبوساً ثلاثة أيام إلى أن أصدر مجلس قيادة الثورة بياناً يبرئه من التهم التي نسبت إليه.

   وأمضى بعد ذلك سبع سنوات في السجن من عام 1965م وحتى عام 1974م لاقى فيهم أشد أنواع التعذيب والإذلال. وقد تزوج “مصطفى أمين” من ابنة عمته “إيزيس طنطاوي” بعدما جاءت لزيارته في السجن، وكانت تعرف أنه محكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.. وكان عمره خمسة وخمسين عاماً.. ومع ذلك اختارت وهي شابة أن تحبه وتتزوجه وتنتظره خمسة وعشرون عاماً.. وكانت تلعب دوراً هاماً في تهريب رسائله من داخل السجن، وتوزيعها على الذين يطيرون بها وراء الحدود.

   وتوفي “مصطفى أمين” في نفس الشهر الذي توفي فيه توأمه “علي” الذي توفي يوم 4 أبريل 1976م. فقد صعدت روح “مصطفى أمين” إلى بارئها في الساعة الخامسة والربع من مساء الأحد 13 أبريل 1997م بعد صراع مع المرض استمر أكثر من ثلاثة أشهر، عانى خلالها من الالتهاب الرئوي وارتفاع في السكر.. وتشيع جثمانه ظهر يوم الاثنين 14 أبريل من دار أخبار اليوم بناء على وصيته.. وأقيمت صلاة الجنازة في مسجد جمعية الشبان المسلمين، ودفن في مقابر الأسرة بمنطقة الإمام الشافعي.

    وأقيم سرادق العزاء مساء نفس اليوم أمام دار أخبار اليوم، وهي نفس المراسم التي جرت مع شقيقه الراحل “علي أمين” قبل 21 سنة.

يوسف وهبي.. أستاذ التمثيل المصري

كتبت: سارة الليثي

    يوسف بك وهبي هو ابن عبد الله باشا وهبي كبير مهندسي الري في محافظة الفيوم التي ولد ونشأ وربي بها، فقد ولد “يوسف وهبي” في 17 يوليو 1898م على شاطئ بحر يوسف بالفيوم والذي سمي باسمه تيمناً به، لم يزل تراث والده موجوداً في الفيوم إذ أنه هو الذي قام بحفر “ترعة عبد الله وهبى” بالفيوم، والتي حولت آلاف الأفدنة من الأراضي الصحراوية إلى أراضي زراعية، كما أنشأ المسجد المعروف باسم “مسجد عبد الله بك” المطل على كوبرى مرزبان بمدينة الفيوم، والذي كان يعتبر أكبر مسجد بالفيوم حتى وقت قريب.

    شاهد يوسف وهبي أول مسرحية في حياته في محافظة سوهاج من فرقة مسرح جوالة هي فرقة سليمان القرداحي وكانت مسرحية “عطيل” لـ”وليام شكسبير” فأصابه هوس وشغف المسرح، وما إن انتقلت اسرته للقاهرة حتى انطلق يتعرف على مسارحها ويتابع بشغف كل المسرحيات المقدمة آنذاك، ومن ثم أصبح يلقي منولوجات من تأليفه وتلحينه ويتلذذ بتصفيق الناس له واعجابهم به. وعمل أيضاً مصارعاً في “سيرك الحاج سليمان” حيث تدرب على يد بطل الشرق في المصارعة آنذاك المصارع “عبد الحليم المصري“.

    وعندما وصلت أخباره إلى والده الباشا صعق مما سمع؛ فقرر ارساله إلى إيطاليا على نفقته الخاصة ليدرس هندسة الكهرباء، إلا أن يوسف وهبي أبى أن يمتثل لرغبة والده، ففور وصوله إلى ايطاليا بلد المسرح والفنون ألقى بنفسه في رياض المسارح ينهل منها الفنون ويتعلم من الصفر، فبدأ عاملاً في المسارح، ثم التحق ببعض المعاهد الفنية الأهلية كما دون في مذكراته، وتتلمذ على يد الممثل كيانتوني ، وواتته الفرصة في تمثيل بعض اللقطات في الأفلام. ثم لحق به كل من: استيفان روستي –الايطالي الأصل- ومختار عثمان وعزيز عيد، على أمل الاستقرار في إيطاليا والتمثيل في مسارحها ودور العرض بها.

    بعد فترة من الزمن توفي عبد الله باشا تاركاً ثروته لابنه يوسف وهبي وأخوته، فما كان منه إلا أن عاد إلى القاهرة وأسس بميراث والده فرقة رمسيس الشهيرة، وكانت تلك أول فرقة مسرحية مصرية تؤسس بأسلوب علمي وتدار بنظام جاد ولا تقدم عروضها اعتباطاً، فقد أقام مسرحاً خاصاً للفرقة وأقام لها الدعاية اللازمة وعين من يقتبسون ويؤلفون المسرحيات، وأرسل “عزيز عيد” إلى فرنسا لشراء المناظر والمعدات اللازمة، وأقام نظاماً صارماً للتدريبات، وخططاً للعروض المقبلة. وفرض نظاماً للجمهور لا يسمح لهم بالخروج عنه.

    كان لا يسمح لأحد من الجمهور بالدخول بعد رفع الستار ولو بدقيقة واحدة، ومنع تناول الطعام وصراخ الأطفال والحديث في القاعة أثناء العرض، ومنع في مسرحه تلك العادة التي كانت تسمح للجمهور بتبادل القافية مع الممثلين. وكان من نتيجة تلك القواعد الصارمة بعد فترة وجيزة أن أصبح هناك مناخ مسرحي يحترم، وتغيرت نظرة الناس للممثلين، وأصبح لهم كيان اجتماعي مرموق ومكانة لائقة، وقد قدم “يوسف وهبي” من خلال مسرحه نخبة هائلة من عمالقة التمثيل، أمثال: بشارة واكيم، حسين رياض، زكي طليمات، عزيز عيد، حسن فايق، حسن البارودي، دولت أبيض، أمينة رزق، فاطمة رشدي، وغيرهم الكثير.

    وقد استمرت فرقة رمسيس في العمل بنجاح مضطرد طوال ما يقرب من أربعين عاماً، من مارس 1923 إلى 1961، قدمت خلال هذه المدة حوالي 224 مسرحية، كل مسرحية تأخذ موسماً كاملاً. وكان “يوسف وهبي” في أحيان كثيرة يؤلف المسرحية ويخرجها ويلعب بطولتها بنجاح متكافئ، وكان أيضاً من أوائل من شجعوا الفن السينمائي في مصر بالدعم الفني والمالي، ففي سنة 1930 أنتج للمخرج “محمد كريم” فيلمه الأول “زينب” المأخوذ عن رواية هيكل بعد أن رفضت العديد من شركات الانتاج في مصر والخارج انتاج الفيلم.

    وبعد فيلم “زينب” الصامت قام “يوسف وهبي” بانتاج فيلم “أولاد الذوات” الذي كان أحد مسرحياته وأسند الإخراج لـ”محمد كريم” وقام هو ببطولته، وكان هذا هو أول فيلم ناطق في السينما المصرية، ثم توالت أعماله السينمائية مؤلفاً وممثلاً ومنتجاً ثم مخرجاً سينمائياً متفرداً له مذاقه الخاص وصورته السينمائية المميزة. وقد حصل على لقب “البكوية” عقب حضور الملك فاروق أول عرض لفيلم “غرام وانتقام في سينما ريفولي بالقاهرة. حصل يوسف وهبي أيضا على وسام تقدير من مجلس قيادة الثورة ودرجة الدكتوراة الفخرية عن مجمل عطاءه للفن المصري.

     وتوفي يوسف بك وهبي في 17 أكتوبر عام 1982 بعد دخوله لمستشفى المقاولون العرب اثر اصابته بكسر في عظام الحوض نتيجه سقوطه في الحمام. توفي أثناء العلاج بعد اصابته بسكتة قلبية مفاجئة، وكان إلى جواره عند وفاته زوجته وابنها. وتخليداً لذكراه تكونت في مسقط رأسه بالفيوم جمعية تحمل اسمه هي “جمعية أصدقاء يوسف وهبي”، وأقيم له تمثال أمام مقر هذه الجمعية بحي الجامعة بالفيوم على رأس الشارع الذي يحمل اسمه.

سكة سفر

  عدت إلى أسيوط بعد غياب دام أكثر من سبع شهور كدت فيهم أن أنسى ملامح طريق السفر، فلم أمكث هذه المدة من قبل في مكان واحد دون سفر، فيما عدا السنوات الأربع التي قضيناها في اليابان خارج مصر،  فمنذ طفولتي ونحن نقضي فترة الدراسة في أسيوط وفترة الأجازة ما بين القاهرة واسكندرية، ولا تطول أي منهما لتلك المدة، وفي الفترة الأخيرة كثر ترددنا على القاهرة منذ أن التحق أخي بمعهد الهندسة في العاشر من رمضان.

فقد صاحب ذلك أيضاً تخرجي من الكلية وتفرغي التام فلا شيء يُلزمني بالتواجد في فترات معينة في أسيوط، وتلا ذلك مرض جدتي وعدم قدرتها جسدياً على الاعتناء بأمور أخي الذي يمكث معها للدراسة،  وذلك ما اضطرنا للمكوث تلك المدة الطويلة مؤخراً، وأخيراً قررنا العودة بعد أن أطمأننا على وجود من يعتني بأمورهما معاً، وكالعادة عدنا بالسيارة، وعلى الرغم من أن السيارة تتيح لي الاستمتاع بأكثر قدر من المناظر الخارجية على جانبي الطريق أكثر من القطار خاصة بعد غياب الشمس حيث يصبح من المستحيل رؤية شيء خارج نوافذ القطار، إلا إنني أشتاق كثيراً للسفر بالقطار.

منذ أن اشترى أبي السيارة بعد عودتنا من اليابان في عام 2004 لم أركب القطار سوى مرة واحدة عندما ذهبت في رحلة فتيات للاسكندرية وأنا في الصف الثاني الثانوي. أذكر أنني في طفولتي كنت طفلة مشاغبة جداً، فعند ركوبنا للقطار كنت دائماً ما أتشاجر مع أخي الصغير للجلوس بجانب نافذة القطار لأشاهد الطريق والمناطق الزراعية، وعندما يسير القطار كنت انطلق في العربة التي نركبها ذهاباً وإياباً واتعرف على جميع الركاب أياً كانت أعمارهم وافتح معهم أبواب الحوار في شتى المواضيع المختلفة.

وما كان يمنعني من الخروج من العربة التي نركبها والانطلاق في باقي القطار هو خوفي الدائم من الأرضية الفاصلة المتحركة بين العربات حيث كنت أخشى أن أسقط بين طرفيها وافرم تحت القطار. وبسبب هذا الخوف كنت أخشى حتى دخول الحمام حيث كان يقع بين كل عربتين، فإذا ما اضطررت لدخول الحمام كنت أبكي لأبي حتى يحملني ويمر بي على تلك الأرضية دون أن أسير أنا عليها. وحقيقة لا أعلم كيف كانت تواتيني الجرأة حينها للتعرف على هؤلاء الركاب الذين أراهم لأول مرة في حياتي.

لا أتذكر كيف كنت أبدأ الحوار مع أي منهم وفيما كنت أتكلم معهم، ولكني أذكر أنني تعرفت على ركاب عديدين وقتها من بلاد مختلفة. وأغلب الركاب الذين تعرفت عليهم كانوا شباب صغار في السن يسافرون وحدهم، وأذكر تحديداً امرأة تعرفت عليها ذات مرة واكتشفت أنها تعمل مفتشة بالتربية والتعليم وقريبة لاحدى صديقاتي في المدرسة، وجاءت للتفتيش علينا في المدرسة بعد تلك الواقعة وكنت فخورة وسط صديقاتي بمعرفتي المسبقة لها. ومرة واحدة فقط تعرفت فيها على فتاة من عمري وانطلقنا معاً للعب داخل القطار، ولكنني لم أراها مرة ثانية في حياتي ولا أذكر اسمها!

عندما أتذكر تلك المواقف الآن أتمنى لو كنت ظللت بتلك الجرأة التي كانت تجعلني أقتحم الأماكن والناس بسهولة دون خوف أو تردد. لا أستطيع أن أتذكر كيف كنت أجرؤ على ذلك وبماذا كنت أشعر وقتها وكيف لم أكن أخاف وأتردد لحظة وكيف كنت أبدأ حواراتي تلك مع الناس، فعلى الرغم من أنني لازلت أعد نفسي جريئة إلى حد ما في أفكاري وآرائي وربما في أسلوب حواري مع من أعرفهم إلا أنني أصبحت افتقد تلك الجرأة التي تجعلني أبدأ الحوار مع أشخاص أقابلهم للمرة الأولى إلا إذا كان هناك ضرورة ملحة لذلك وفي إطار موضوع معين كأن يكون حوار صحفي في إطار عملي وأيضاً يكون ذلك مصاحباً بحالة توتر وتردد شديد حتى لو لم تبدو للآخرين ولكني أشعر بها في داخلي.

عدت إلى أسيوط الآن بمشاعر متضاربة ما بين الحنين إليها والرغبة في الفرار منها، فعلى الرغم من أن أسيوط هي محل ميلادي وموطن تعليمي إلا أنني لا أرى لي أي مستقبل مهني بها، دائماً ما أحلم بالاستقرار في القاهرة والحصول على عمل بها وتسلق سلم الصحافة والاعلام هناك حتى لو كان الطريق شاقاً فعلى الأقل هناك طريق، ولكن هنا في أسيوط لا توجد أي طرق، فجميع الجرائد الأقليمية التي تصدر بها لا يقرؤها أحد ومن يكتبون بها إما أنهم يستغلونها في الحصول على المال من خلال الإعلانات لتوزيعها مجاناً على المصالح الحكومية أو لتكون نقطة تذكر في سيرتهم المهنية عند التقدم للعمل في صحيفة كبيرة يوماً ما.

ولكن هنا في أسيوط أيضاً كل ذكرياتي جيدها وسيئها وليس لي أي ذكريات في القاهرة خارج منزل جدتي ، هنا مكاني الخاص الذي أملكه ولا يستطيع أحد سلبه مني، هنا أصدقاء العمر الذين أفتقدهم في كل مرة أسافر فيها، هنا كل مكان وكل شارع لي ذكرى فيه، هنا قصص طفولتي ومراهقتي وشبابي، هنا نبض قلبي للمرة الأولى وجرح أيضاً للمرة الأولى، هنا كل شيء حلو وسيء في الوقت ذاته وأنا أحمل الوفاء لذكرياتي السيئة كما أحن لذكرياتي السعيدة لذا دائماً ما أحن لتلك المدينة.

مهما ابتعدت عن تلك المدينة تشدني إليها ثانية وكأنها لعنة ترافق حياتي لا أستطيع التخلص منها ولا أستطيع القبول بها للأبد ونسيان أحلامي ودفنها في واقعها المحبط.