كتبت: سارة الليثي
ولد في 9 سبتمبر عام 1828 الأديب الروسي العالمي ليو تولستوي، وكان من أسرة ملكية حيث يرجع نسب والدته الأميرة ماريا فولكونسكي إلى سلالة روريك أول حاكم ذكر اسمه في التاريخ الروسي، ووالده هو الكونت نيكولاس تولستوي، وقد توفيا والداه وهو في سن صغيرة؛ فوضع هو واخوته في رعاية حاضن شرعي هي الكونتيسة الكسندرا أوستن وبعد وفاتها انتقلوا لأختها بالاجيا يوشكوف، وفي عام 1844 التحق ليو بجامعة كازان ليدرس اللغات الشرقية: العربية والتركية.
وقد اختار تولستوي هذا التخصص لأنه أراد أن يعمل بالسلك الدبلوماسي في منطقة الشرق العربي بعد تخرجه ولأنه كان مهتماً بآداب شعوب الشرق، ولكنه فشل في امتحانات السنة الدراسية الأولى؛ فقرر تغيير دراسته للقانون ولكن بعد عامين قرر ترك الدراسة نهائياً دون الحصول على شهادته الجامعية، وذلك بعد أن تم تقسيم أملاك أسرته بينه وبين أخوته وورث هو اقطاعية ياسنايابوليانا والتي كانت تضم أكثر من 330 عائلة من الفلاحين؛ فأحس أن واجبه يحتم عليه العودة إلى اقطاعيته لرعاية وتحسين شئون رعيته.
وفي عام 1851م سافر مع شقيقه نيكولاس الذي كان يخدم في الجيش الروسي إلى القوقاز تاركاً اقطاعيته في رعاية زوج أخته ماريا، وما لبث أن أغرم بمنظر الجبال والطبيعة في القوقاز، وبعد تسعة أشهر من سفره إنضم إلى الفرقة الروسية القوقازية في القتال ضد قبائل السهول التتارية، وقد سجل جانباً كبيراً من انطباعاته التي كونها خلال تلك الفترة في روايته (الحرب والسلام)، وشارك في بعض المعارك ضد جيش المريدين بقيادة الإمام شامل، وفي تلك المرحلة الأولى من حياته ألف ثلاثة كتب وهي الطفولة 1852، الصبا 1854، الشباب 1857.
وأستمر في عمله كجندي حتى عام 1855، حيث أشترك في حرب القرم، ولكنه عاد إلى سان بترسبورج عام 1855 بعد سقوط سيباستوبول. ولقد أحب بلاد القوقاز وأثرت فيه حياة شعوب القوقاز وكتب عن تجاربه تلك موضوعات نُشرت في الصحف، وألَّف عنها كتابه الكوزاك 1863 الذي يحتوي على عدة قصص. وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية سافر إلى أوروبا الغربية وأعجب بطرق التدريس هناك. ولما عاد لاقطاعيته بدأ في تطبيق النظريات التربوية التقدمية التي عرفها، وذلك بأن أنشأ مدرسة خاصة لأبناء المزارعين، وأنشأ مجلة تربوية تدعى ياسنايا بوليانا شرح فيها أفكاره التربوية ونشرها بين الناس.
وفي عام 1857 زار سويسرا ثم ذهب إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في الفترة من عام 1860 لنهاية عام 1861، وأصبح معنيا بوجه خاص بمشكلة تعليم أولئك الذين فاتتهم فرصة التعلم في الصغر. وأختلط تولستوي بالمزارعين وتعلم أساليبهم في العمل، ودافع عنهم ضد المعاملة السيئة من جانب ملاك الأراضي، وبعد ذلك الوقت لم يغادر إقطاعيته بوليانا على الأطلاق وتزوج في عام 1862 من الكونتيسة صوفيا أندريفيا برز، التي كانت زوجة متفهمة ومحبة لخدمته، وأنجبا 13 طفلاً مات خمسة منهم في الصغر.
ويُعد كتاب الحرب والسلام الذي نشر عام 1869 من أشهر أعمال تولستوي، ويتناول هذا الكتاب مراحل الحياة المختلفة، كما يصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا في الفترة ما بين 1805 الى 1820م، وتناول فيها غزو نابليون بونابرت لروسيا عام 1812،وقد ساعدته زوجته صوفيا كثيراً في انجاز هذه الرواية حيث نسختها له سبع مرات وفقاً لتعديلاته المتكررة حتى كانت النسخة الأخيرة التي تم نشرها، ومن أشهر كتبه أيضاً “أنا كارنينا” الذي عالج فيه قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية في شكل مأساة غرامية كانت بطلتها هي أنَّا كارنينا.
ومن كتب تولستوي أيضاً كتاب “ما الفن؟” الذي أوضح فيه أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقياً، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، ولابد أن يكون الفن بسيطاً يخاطب عامة الناس. وقد تعمق تولستوي في القراءات الدينية، وقاوم الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، ودعا للسلام وعدم الاستغلال، وعارض القوة والعنف في شتى صورهما. ولم تقبل الكنيسة آراء تولستوي التي أنتشرت في سرعة كبيرة، فكفرتهُ وأبعدتهُ عنها وأعلنت حرمانهُ من رعايتها. وأُعجب بآرائه عدد كبير من الناس وكانوا يزورونه في مقرهِ بعد أن عاش حياة المزارعين البسطاء تاركًا عائلتهِ الثرية المترفة.
وهو كفيلسوف أخلاقي أعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف وتبلور ذلك في كتاب “مملكة الرب بداخلك“، وهو العمل الذي أثر على مشاهير القرن العشرين مثل المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج في جهادهما الذي اتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف. وفي أواخر حياته عاد تولستوي لكتابة القصص الخيالية فكتب “موت إيفان إيلييتش” 1886، كما كتب بعض الأعمال المسرحية مثل: “قوة الظلام” 1888، وأشهر أعماله التي كتبها في أواخر حياته كانت البعث والشيطان وكريوتزسوناتا، وقصة “الاب سيرغي” التي نُشرت بعد وفاته والتي توضح عمق معرفته بعلم النفس، ومهارته في الكتابة الأدبية.
وقد اتصفت كل أعماله بالجدية والعمق وبالطرافة والجمال. ولقد أضمر الكاتب الروسي احتراماً خاصاً للأدب العربي والثقافة العربية فعرف الحكايات العربية منذ طفولته، وقرأ “ألف ليلة وليلة“. وقد عرف حكاية “علي بابا والأربعون حرامي“، وحكاية “قمر الزمان بن الملك شهرمان”، ولقد ذكر هاتين الحكايتين ضمن قائمة الحكايات التي تركت في نفسهِ أثراً كبيراً، قبل أن يصبح عمره أربعة عشر عاماً. وقد وضع كتاباً عن رسول الإسلام “محمد” صلى الله عليه وسلم أسماه “حكم النبي محمد”.
وفي 20 نوفمبر 1910 كان متوجهاً في القطار لزيارة شقيقته ولكنه أصيب بالالتهاب الرئوي في الطريق، وتوفي تولستوي اثر اصابته بالالتهاب الرئوي في محطة قطار قرية استابو، وكان قد بلغ من العمر 82 عاماً، ودفن في حديقة ضيعة ياسنايا بوليانا، ولم يتم دفنه وفق الطقوس الدينية الأرثوذوكسية، وفقاً لوصيته بعدم دفنه حسب تعاليم الكنيسة أو أن يوضع صليب على قبره.