جولة في الكتب: رواية القحط

أيمن رجب الطاهر

هي رواية تاريخية تدور في فترة الشدة المستنصرية في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ولكن بشخصيات خيالية، تبدأ الرواية بأخبار انحسار مياه النيل تأتي لنساء درب الريحان من ساقيهم “ريان” وهو يملأ لهم الماء من قربته متحسراً على أخبار الجوع والعطش التي تضج بها البلاد، وتسير الرواية تدريجياً بمراحل تطور المأساة؛ فيبدأ الناس بأكل الدواب والقطط والكلاب، ثم يتطور الأمر ليصل لأكل لحوم البشر الأحياء منهم والأموات، كان “فاتك” ابن “زيدان” القصاب (الجزار) هو بطل هذا التوحش المقزز ورفاقه.

بدأ الأمر مع رفاقه الأوائل باصطيادهم للحيوانات الضالة في الشارع وسرقة دواب الناس ليأكلونها مستخدماً خبرته في الجزارة من عمله بدكان أبوه، حتى قبض على رفاقه ذات مرة لسرقتهم لدابة الوزير بينما ذهب هو لقضاء حاجته فلم يقبض عليه معهم، وحكم عليهم بالاعدام وتركوا معلقين أمام القصر؛ فذهب ليلاً يستطلع الأمر وما إذا كان رفاقه قد وشوا به قبل اعدامهم أم لا، أغراه جسد رفيقه السمين المتدلى من حبل المشنقة؛ فجز ساقه بالساطور وهرب بها إلى مخبأه ليطهوها ويأكلها.

تعرف يومها على رفاقه الجدد الذين أكلوا معه ساق رفيقه القديم وشاركوه فيما بعد رحلة صيد البشر وطهيهم لأكلهم، حتى انتهى به الأمر لأكل لحم والده يوم أتى يبحث عنه فصاده رفاقه وذبحوه وطهوا لحمه وقدموا له منه عند عودته، وبعد أن أنهى طعامه في طريقه للمرحاض اصطدم بالقفة التي تحوي رأس الذبيحة لتخرج منها وعندما أمسك بها ليعيدها إلى القفة اصطدمت عيناه بعيني والده الفزعتين؛ فما كان منه إلا أن فقد عقله وقتل رفيقيه وخرج هائماً على وجهه ملطخاً بالدماء يصرخ في الشوارع حتى تفجرت أحشاءه وسقط ميتاً في النيل الجاف.

مشاهد وصف قتل البشر وأكل لحومهم كان مقززاً بقدر واقعيته، وكان من أكثر الأسباب التي بطأت من قراءتي للرواية، حيث كلما وصلت لأحد تلك المشاهد انتابتني القشعريرة وشعرت بالرغبة في القيء والبكاء، أكثر ما كان يؤلمني هو إدراكي التام لواقعية أحداث الرواية وأن تلك الوقائع حدثت بالفعل، بل لعلي ولعلنا جميعاً نكون من سلالة أولئك الذين أكلوا لحوم البشر في تلك الفترة، وما يؤلمني أكثر هو احتمالية تكرار تلك الأحداث مرة أخرى في عصرنا الحالي.

فكل الشواهد تؤكد أن بعد بناء سد النهضة بأثيوبيا سينحسر ماء النيل عن مصر والسودان تاركاً لنا مجاعات جديدة، الشدة المستنصرية انتهت بفيضان النيل لتعود المياة إلى مجاريها، ولكن في عصرنا الحالي نتيجة لتقدمنا في بناء السدود لم يعد هناك فيضانات وبناء سد في أثيوبيا يعني حرمان مصر من مياه النيل مما يعني مجاعات جديدة قد نأكل فيها لحوم بعضنا أحياء مرة أخرى، ربما تندرج تلك الرواية في نوع الإسقاط التاريخي، فهي تسقط أحداث الماضي على حاضرنا ومستقبلنا المجهول.

جاءت لغة الرواية سلسة وفصيحة في ذات الوقت، ولم لا وكاتبها أستاذاً للغة العربية، وعلى الرغم من كونها رواية مؤلمة في أحداثها وموضوعها الرئيسي إلا أنها لم تخلو من روح الفكاهة التي تميز بها المصريين في جميع أزماتهم، لم يعجبني الجزء الذي دار حول شراء اليهودي لبيت في الدرب بمقايضته بالدقيق وطريقته في الاستيلاء على البيت ورغبته في الاستيلاء على بيوت الدرب بنفس الطريقة وارجاع كل مساؤه وكره أهل الدرب له وتخوفهم منه فقط لديانته اليهودية.

نعم الكيان الصهيوني هو عدونا الأول اليوم، والكيان الصهيوني يحمل الديانة اليهودية، ولكن عدائنا ليس مع الديانة اليهودية ولكن مع الفكر الصهيوني الإستعماري، ولم يكن الأمر كذلك طوال الوقت، لم يكن الأمر كذلك في ذلك العصر، كان اليهود يعيشون كمصريين عاديين بين المصريين وكانوا يصلون لمنصب الوزارة ويتقبلهم الشعب بدون تحيز، لم تخلو الرواية أيضاً من الجانب الفانتازي المتمثل في ظهور مريم ومالك ومن بعدهما شارق وغارب لميمون عند زيارته لأخيه في أطفيح الذي وجده ميتاً وعائلته بعد أن حصدهم وباء الطاعون.

اكتشف ميمون بعد ذلك بحدسه وما تبين له من وقائع أن هؤلاء الأربعة يستحيل أن يكونوا من البشر وإنما هم جن أرسلهم الله لحراسته وليعيدوه إلى القاهرة سالماً، وتنتهي أحداث الرواية ببداية هطول الأمطار وبشائر انفراج الأزمة.

الإعلان

ما لا تعرفه عن الهند!!

كتبت: سارة الليثي

     الهند بلد العجائب كما يقولون، هي من أعرق الحضارات على الأرض، وأول دليل على وجود حياة بشرية في الهند يرجع للعصر الحجري، وهو عبارة عن رسوم في مأوى صخري في بهيمبكتا في منطقة ماديا براديش. وهو نفس التوقيت تقريباً الذي بدأت فيه الحياة البشرية على أرض مصر أيضاً، فالحضارات المصرية والهندية القديمة متشابهتين إلى حد كبير في عدة جوانب، خاصة جانب الديانات، فالديانة المصرية القديمة والديانة الهندوسية قامتا على تقديس بعض أنواع الحيوانات واضفاء صفة الألوهية عليهم، وتخصيصهم بتولي بعض أمور الحياة والظواهر الطبيعية الخارقة.

    وأيضاً في التاريخ الحديث عانى المصريون والهنود معاً من جرائم الاحتلال البريطاني حتى نالوا استقلالهم في سنوات متقاربة، حيث نالت الهند استقلالها عام 1848م ومصر عام 1952م. والحقيقة أن التآلف بين مصر والهند لم يكن في الماضي فقط، وإنما لليوم فإن اهتمام المصريين وتعلقهم بالثقافة الهندية أكثر من اهتمامهم بأي ثقافة آخرى، فمنذ السبعينيات والثمانينيات كان الفيلم الهندي يجمع الأسرة المصرية حول التلفزيون كل خميس، ولم تكن فرحة العيد تكتمل بدون مشاهدة الفيلم الهندي، كان أميتاب باتشان ودارمندار وراج كومار من الأبطال المحبوبين للشعب المصري، للدرجة التي جعلت أميتاب باتشان لا يصدق حفاوة الاستقبال التي حظى بها عند زيارة مصر في التسعينيات، فلم يكن يعتقد أن هناك شعباً سوى الشعب الهندي يمكنه أن يحبه ويقدره ليستقبله بهذه الطريقة الحافلة.

الهند جغرافياً:

    الهند جغرافياً تقع في جنوب آسيا، وهي سابع أكبر دولة من ناحية المساحة الجغرافية، والثانية من ناحية الكثافة السكانية، فمساحتها 3287590 كم مربع، وتعداد سكانها 1210193422 نسمة حسب تعداد 2011م. وحدود الهند تشترك مع دول: باكستان من الغرب، والصين ونيبال وبوتان من الشمال، وبنجلاديش وميانمار من الشرق، أما من جهة الجنوب فتطل الهند على المحيط الهندي، وتتكون الهند من 28 ولاية وسبع أقاليم اتحادية يضمهم نظام حكم جمهوري فيدرالي برلماني، وعاصمتها دلهي، وأشهر ولاياتها ماهارشترا والتي عاصمتها مدينة مومباي أكبر مدينة في الهند ومركز صناعة السينما فيها.

ثقافات الهند المتنوعة:

    تتميز الهند بتنوع ثقافي رهيب لا يتوفر لأي دولة آخرى، ففيها أكبر تجمع لغوي في العالم، اعترف الدستور الهندي بواحد وعشرين لغة منهم فقط واعتمدهم في المعاملات الرسمية، أهمهم: الهندية، درافيديان، الانجليزية، السنسكريتية، التاميلية، الأردية، الكاندية، التيلجو، الذردية، البنجابية، البنغالية، الملاليو، بالاضافة إلى أن عدد اللهجات الهندية المحلية يصل إلى 1652 لهجة.

   كما أن الهند تحظى أيضاً بأكبر تنوع عقائدي في العالم، فكل الديانات الموجودة على الأرض باختلاف مذاهبها موجودة في الهند، فعلى الرغم من أن أغلبية السكان يدينوا بالهندوسية –على اختلاف مذاهبها-، إلا أن باقي السكان متنوعين ما بين الديانات كلها، وأكبر ديانة بعد الهندوسية هي الإسلام يليه المسيحية ثم السيخية بالإضافة لديانات أخرى ذات أقليات ضئيلة مثل: البوذية والياناية واليهودية والزرادشتية والكونفشيوسية والبهائية.

    وبالطبع فإن الزي الهندي التقليدي للسيدات في الهند هو الساري الهندي والذي تختلف أشكاله من ولاية لأخرى وثقافة لأخرى، وبالنسبة للرجال فإن الزي التقليدي هو الكورتة والذي تختلف أيضاً تفاصيله من ولاية لأخرى، وكذلك بالنسبة للأكلات الشعبية، فهي تختلف بحسب اختلاف الثقافات، ولكن عموماً فإن أشهر الأكلات في الهند هي البرياني وهو عبارة عن أرز بالدجاج ولكل ولاية الطعم الخاص بها، وأشهر الحلويات هي اللادو والجُلابي، وأشهر أكلات الشارع السريعة هي الجول جابا والتي تقابل أكلة الفول والطعمية في مصر.

    والأعياد في الهند مختلفة ومتنوعة نظراً لتنوع الثقافات والأديان بها، فهناك أكثر من 50 عيد واحتفال رسمي في الهند خلال السنة، أكثرهم شهرة: عيد الهولي وهو عيد الألوان ويتم الاحتفال به من خلال حفلات الألوان التي يطلق فيها الهنود رشاشات الألوان على بعضهم البعض ليلونوا ملابسهم البيضاء ووجوههم، وكذلك عيد ديوالي وهو عيد الأضواء وفيه يتم اشعال الشموع والمصابيح في كل مكان، بالإضافة إلى أعياد المسلمين المعروفة، عيدي الفطر والأضحى، وبالطبع فإن الأعياد والإحتفالات في الهند لا تحلو بدون الموسيقى والرقص، وأشهر الرقصات الهندية المسجلة في اليونسكو كتراث ثقافي خاص بالهند هي: بانجرا، بهاراتناتيام، كاتاك، أوديسي، ساتريا.

   وعلى الرغم من الاختلافات الثقافية والعقائدية الشاسعة التي يحظى بها الشعب الهندي فإنها تعد أكبر ديمقراطية في العالم، وعلى الرغم من أنها تعاني من أغلب مشكلات دول الشرق والعالم النامي من فقر وبطالة وفساد إلا إنها تحظى بديمقراطية ونظام سياسي يجعلها تتغلب على العديد من المشكلات وتحقق الإكتفاء الذاتي اقتصادياً مما يوفر لسياساتها الحرية وعدم امكانية الضغط الخارجي على قرارات الدولة واختيارات شعبها.