مصر ودورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط

بقلم: سارة الليثي

تقام في هذه الأونة الدورة الثامنة عشر من ألعاب البحر الأبيض المتوسط في مدينة تراجوتا بأسبانيا، والتي تشارك فيها المنتخبات المصرية في مختلف الألعاب الرياضية، ولكن علاقة مصر بدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط لا تقوم فقط على المشاركة، بل إن مصر هي صاحبة المبادرة في اقامة هذه الدورة حين اقترح فكرتها رئيس اللجنة الأولمبية المصرية “محمد طاهر” باشا أثناء دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية لعام 1948، لذا كان من الطبيعي أن تستضيف مصر أول دورة في الإسكندرية عام 1951.

   وقد تشكلت لجنة مصرية لتنظيم هذه الدورة الوليدة برئاسة مقترح فكرتها طاهر باشا، وافتتحها الملك فاروق، وشارك فيها 969 رياضياً ورياضية يمثلون 10 دول في 11 لعبة، هي: أسبانيا وفرنسا وإيطاليا ويوغسلافيا واليونان وتركيا وسوريا ولبنان ومالطة وموناكو بالإضافة إلى مصر، واستغرق حفل الافتتاح في استاد الإسكندرية 22 دقيقة واحتلت فرنسا صدارة الدورة وجاءت ايطاليا في المرتبة الثانية ومصر المضيفة في الثالثة، والدورة تضم حالياً 23 دولة، هي: الجزائر ومصر وليبيا والمغرب وتونس ولبنان وسوريا وتركيا وألبانيا وأندورا والبوسنة والهرسك وكرواتيا وفرنسا واليونان وايطاليا ومالطة وموناكو وجبل طارق وسان مارينو وصربيا وسلوفينيا وأسبانيا وقبرص.

     وأغلب الدول هي دول مطلة على البحر الأبيض المتوسط ما عدا أندورا وصربيا وسان مارينو، حيث انها دول مستقلة حديثاً نسبياً وكانت تشارك في الألعاب قبل الاستقلال باعتبارها مطلة على البحر الأبيض المتوسط مع الدول المسيطرة عليها ولم تتوقف عن الاشتراك بعد أن نالت استقلالها، وتنظم الدورة اللجنة الدولية لألعاب البحر الأبيض المتوسط كل أربع سنوات، وقد جرت العادة في البداية على أن تسبق دورة الألعاب الأولمبية بعام ولكن منذ عام 1993 أصبحت تنظم في العام الذي يلي الألعاب الأوليمبية.

     وعلى الرغم من أن مصر هي مقترحة الدورة إلا انها لم تنظمها سوى مرة واحدة في الدورة الإفتتاحية بينما هناك عدة دول نظمتها أكثر من مرة في أكثر من مدينة بها، فأسبانيا المضيفة للدورة الحالية نظمتها مرتين سابقتين عام 1955 في مدينة برشلونة وعام 2005 في مدينة المرية، وأيضاً نظمت إيطاليا الدورة ثلاث مرات عام 1963 في مدينة نابولي وعام 1997 في مدينة باري وعام 2009 في مدينة بيسكارا، بينما تونس نظمتها مرتين في مدينة تونس عامي 1967 و2001.

    وكان من نصيب تركيا عام 1971 في مدينة أزمير والدورة السابقة عام 2013 في مدينة مرسين، ومن المقرر أن الدورة القادمة لعام 2021 تنظمها الجزائر في مدينة وهران وقد سبق لها تنظيم دورة عام 1975 في مدينة الجزائر، بينما الدول التي حظت بتنظيم الدورة مرة واحدة فقط كمصر فهي: لبنان عام 1959 في مدينة بيروت، وكرواتيا عام 1979 في مدينة سبليت، والمغرب عام 1983 في مدينة الدار البيضاء، وسوريا عام 1987 في مدينة اللاذقية، واليونان عام 1991 في مدينة أثينا، وفرنسا عام 1993 في منطقة لنكدوك- روسيون.

      وقد شاركت مصر في كافة دورات الألعاب ما عدا الدورة المقامة في عام 1967 في مدينة تونس والتي وافقت عام هزيمة النكسة، وكانت أكثر الدورات التي حظت فيها بميداليات هي الدورة الأولى التي نظمتها عام 1951 بـ66 ميدالية 22 ذهبية و26 فضية و18 برونزية، والدورة الأخيرة السابقة لعام 2013 التي نظمتها تركيا بـ67 ميدالية 21 ذهبية و22 فضية و24 برونزية، ومجموع الميداليات التي حظت بها مصر في تلك الألعاب 522 ميدالية 124 ذهبية و183 فضية و215 برونزية، بالاضافة إلى 74 ميدالية أحرزتهم مصر بالاشتراك مع سوريا عندما اندمجا في الجمهورية العربية المتحدة وشاركا كدولة واحدة في دورة بيروت عام 1959.

   ولا زالت انجازاتنا متلاحقة في دورات ألعاب البحر الأبيض المتوسط المقامة حالياً، حيث وصل عدد الميداليات التي حصلنا عليها حتى الآن 30 ميدالية 11 ذهبية و8 فضية و11 برونزية، ولازالت المنافسات مستمرة حتى الأول من يوليو القادم.

الإعلان

ميراث تونس

بقلم: سارة الليثي

       أثارت تونس ضجة هائلة في الأيام الماضية باعلانها تعديل قوانين الميراث لتساوي بين الرجل والمرأة في الورث، وذلك بدعوى الحفاظ على كرامة المرأة التونسية، على الرغم من أن حالات الميراث في الشريعة الاسلامية متعددة وتختلف باختلاف درجة القربى للمتوفي وفي حالات ترث المرأة أكثر من الرجل وحالات أخرى تكون مساوية للرجل، ولكن من يتعللون بعدم مساواة المرأة بالرجل في الميراث يتمسكون بآية للذكر مثل حظ الأنثيين التي تنطبق فقط على الابنة والأخت دون أي اهتمام وتفسير لأحاكمها ومعانيها!

    الحقيقة أنه عندما منح الله الأخ ضعف نصيب أخته من ميراث أبواهما أو أخوتهما المتوفيين لم يكن ذلك حقاً تفضيلاً له، بل هو حق يقابله واجب مفروض عليه، فالمرأة في الشريعة الإسلامية مسئولة من ولي –رجل- ينفق عليها ويقوم بشئونها ويرعى أمورها طوال حياتها، يختلف هذا الرجل باختلاف مراحل الحياة، فهو الأب في بداية الأمر، فإذا تزوجت انتقلت تلك المسئولية للزوج، وإذا توفي الأب وهي لم تتزوج بعد انتقلت للأخ أو للجد أو للعم أو للخال بالترتيب.

   وإذا طُلقت أو ترملت المرأة عادت تلك المسئولية للأب إذا كان لا زال على قيد الحياة أو لمن يليه في المسئولية، هذه هي القوامة التي يتشدقون بها ليل نهار، فالقوامة ليست تسلطاً وتجبراً على المرأة وإنما هي مراعاة لشئونها وقياماً بمتطلباتها وايفاءاً باحتياجاتها، ولا تسقط تلك المسئولية عن الرجل شرعاً بأي حال من الأحوال حتى لو كانت المرأة غنية وقادرة إلا إذا أعفته هي برضاها عنها، فالقوامة تكليف وليست تشريف، وبناءاً عليه فإن الأخ يرث ضعف ما ترثه أخته لأنه ملزم شرعاً بالإنفاق عليها حتى زواجها وكذلك إذا طُلقت أو ترملت.

    وذلك حتى لو كان ميراثها يكفي حاجتها ويفيض، فهي ليست ملزمة بالانفاق على نفسها شرعاً، حتى لو كانت أغنى منه فهو ملزم بنفقتها الأساسية من مسكن ومأكل وملبس كما ينفق على نفسه وليس لها أن تشترط مستوى معين في الانفاق، مادام ينفق عليها بما يستطيع، فلها أن يسكنها معه إذا أرادت، ويطعمها مما يطعم، ويكسوها مما يكتسي ويواري عورتها، وفي المقابل له عليها أن تراعي حرمته ولا تأتي شيئاً يريبه وتحافظ على شرفه وسمعته وترعى الله في شئون منزله وتشاوره في كل أمورها ولا تقطع أمراً بدون علمه.

   ليس له أن يتسلط ويتجبر عليها ويقهرها أو يرغمها على شيء لا تريده ولكن أيضاً ليس من حقها أن تمضي في قراراتها بدون علمه، والسؤال المطروح هنا: كم من أخ يهتم لأخته وينفق عليها ويقوم بمتطلباتها ويراعي شئونها بعد وفاة أبيه واقتسام الميراث؟! لن أتحدث عن من يحاول أن يسلب أخته حقها الشرعي في الميراث ويلقي بها على قارعة الطريق تستجدي قوتها، بل أتحدث عن أولئك الذين يعدوا من ذوي الدين والأخلاق، كم منهم يقيم شرع الله بالانفاق على أخته من ميراثه هو لا من ميراثها؟!

    لن أتحدث عن من يكفيها ميراثها ولديها مصدر دخل خاص بها وليست بحاجة لأحد ينفق عليها –على الرغم من أنه حقها شرعاً-، ولكن ماذا عن تلك الفقيرة المعدمة التي لا يكفيها ميراثها ويتعلل أخوها أن لا حق لها عنده بعد أن أخذت حقها الشرعي من الميراث متجاهلاً واجبه هو الشرعي تجاهها، بل ماذا عن تلك الطفلة اليتيمة التي تكون في رعاية أخيها فتمتد يده إلى ميراثها بحجة الانفاق عليها حتى إذا بلغت سن الرشد لم تجد شيئاً من ميراثها.

     على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد أمر من يرعى أيتاماً أن يرعاهم على نفقته الخاصة ولا تمتد يده إلى ميراثهم إلا إذا كان فقيراً معدماً لا يجد ما ينفق عليهم منه. يقول تعالى: “وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشداً فأدفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً” النساء: 6، فكيف الحال عندما تكون تلك اليتيمة هي الأخت شقيقة اللحم والدم؟!

    كم من الرجال الذين انتفضوا فور سماعهم برغبة رئيس تونس تعديل قوانين الميراث للمساواة بين الرجل والمرأة، ذكروا واجبهم تجاه تلك الزيادة التي خصهم الله بها؟! كلهم يذكرون أن هذا حق الله الذي فرضه لهم وما من واحد منهم ذكر واجبه المفروض عليه تجاه هذا الحق، وكأن الحقوق تعطى اعتباطاً دون واجبات تقابلها! ولكن إذا كان بمقدور أحد أن يصدر قانوناً يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث فيما لم يساويهما فيه الله بما يخالف شرع الله، فمن باب أولى استصدار قانون يجبر الأخ بالانفاق على أخته التي يضاعفها في الميراث.

    وكذلك اجبار العم والخال بالانفاق على ابنة أخيه أو أخته التي يشاركها الميراث لو لم يكن لها أخ، وذلك بما يتوافق مع ما شرعه الله وفرضه على عباده ويحفظ للمرأة كرامتها ويضمن لها حياة سوية آمنة.

صلاح السقا…. رائد مسرح العرائس في الوطن العربي

كتبت: سارة الليثي

    من منا لا يعرف أوبريت الليلة الكبيرة الشهير؟! فقد كنا نجتمع صغاراً حول التلفاز لمشاهدته في كل عيد ومناسبة، ومن قبلنا آبائنا حيث عرض لأول مرة في 1 مايو 1961، ذلك الأوبريت الذي اشترك فيه بالغناء كبار مطربي مصر: سيد مكاوي وشفيق جلال وعبده السروجي ومحمد رشدي وحورية حسن واسماعيل شبانة وصلاح جاهين وشافية أحمد، ووضع كلماته صلاح جاهين ولحنه سيد مكاوي، ولكن أكثر ما أضفى على ذلك الأوبريت روحاً وتميزاً هو تأدية العرائس الماريونت له.

     ففي ظني لو كان هذا الأوبريت مجرد أغنية أداها هؤلاء المطربون الكبار لما كتب لها هذا الخلود، وكذلك لو كانت أديت بفرقة بشرية، فكم من مرات حاولت فرق باليه وجمباز تأدية عروض مسرحية باستخدام هذا الأوبريت ولكن لم تلقى اقبالاً كالعرض الأصلي باستخدام العرائس الماريونيت، وخلف هذا التميز وعظمة الاداء المسرحي للعرائس الماريونيت يقف المخرج الكبير صلاح السقا الذي يجهله كثير منا ومن يعرفه قد لا يعرف عنه سوى أنه والد الفنان أحمد السقا وكان يعمل بالاخراج المسرحي، ولكننا نجهل أنه هو أول من أسس فن مسرح العرائس في مصر والوطن العربي كله.

   فقد فضل المخرج الكبير صلاح السقا فن العرائس عن المحاماة؛ فبعد تخرجه من كلية الحقوق جامعة عين شمس لم يعمل بالمحاماة بل توجه لتعلم فن تحريك العرائس على يد الخبير سيرجي أورازوف الأب الروحي لفناني العرائس في العالم، وسافر بعدها إلى رومانيا ليدرس الإخراج المسرحي وتخصص في فن العرائس، وبعد عودته إلى مصر حصل على الماجستير في الاخراج من معهد السينما عام 1969 بعد أن أخرج أوبريت الليلة الكبيرة، وكان قد قدم قبلها العديد من الأعمال الفنية التي أثرت في تاريخ صناعة الفن بمصر منها: حلم الوزير سعدون، حسن الصياد، الأطفال يدخلون البرلمان، خرج ولم يعد.

    وقد تعاون مع كبار الكتاب والشعراء في تقديم عروضه المسرحية المختلفة، مثل: الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي في عرض مقالب صحصح وتابعه دندش، والشاعر سيد حجاب في عرض أبو علي، وصلاح جاهين في الليلة الكبيرة وعودة الشاطر حسن وعقلة الاصبع والديك العجيب، ولم يكتف باسهاماته المسرحية في مصر بل ساهم في انشاء العديد من مسارح العرائس بالدول العربية مثل: سوريا والكويت وقطر وتونس والعراق، كما أجرى العديد من البحوث والدراسات حول تاريخ فن العرائس والتي أصبحت مقرراً دراسياً على طلاب معاهد السينما والمسرح وكليات التربية.

    وقد حصل صلاح السقا على العديد من الجوائز من مصر والدول العربية والأجنبية منها الجائزة العالمية الثانية من بوخارست في بداياته الفنية وفى 1973 حصل على الجائزة الأولى ببرلين، كما نال شهادة تقدير من الولايات المتحدة الأمريكية في 1980 كما منحه عمدة بلدة مستل باخ بالنمسا وسام خاص بمناسبة عرض الليلة الكبيرة عام 1989، وكانت النمسا كرمته من قبل عام 1980، ونال الدرع المميز من مهرجان جرش الأردن 1985، وتقلد الميدالية الذهبية لمهرجان دول البحر المتوسط بإيطاليا 1986، كما كرمه المهرجان القومى للمسرح بعد وفاته.

      وتوفي صلاح السقا صباح يوم السبت 25 سبتمبر 2010م في مستشفى الشروق بالمهندسين متأثراً بهبوط في القلب وقصور في وظائف الكلى عن عمر يناهز 78 عاماً حيث ولد في 11 مارس 1932م، تاركاً ارثاً عظيماً من الأعمال الفنية التي أثرت في التراث الفني المصري.