في خضم الدعوات للنزول إلى الشارع احتجاجاً على سياسات الانقلاب العسكري أحببت أن أشارككم تلك الذكريات من عام 2011 في الفترة ما بعد ثورة يناير:
ذهبت إلى ميدان التحرير في مليونية الفرصة الأخيرة؛ لأطالب مع الثوار بتنفيذ مطالب ثورة 25 يناير التي لم ينفذ منها شيء، وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة ومحاسبة مبارك والحكومة الفاسدة وقتلة الثوار، كان الميدان مليئاً بالثوار الشرفاء الذين جاءوا لممارسة حقهم المشروع في التظاهر وإبداء رأيهم بحرية في البقعة الوحيدة من مصر التي نالت استقلالها ولا سلطة عليها إلا لإرادة الثوار الحرة، جاءت آلاف مؤلفة من كل بقاع مصر؛ للتعبير عن رأيهم بحرية، ورغبتهم في نيل حياة كريمة على أرض وطنهم مصر وهذا أبسط حقوقهم!
كان للميدان ميثاق وقوانين متعارف عليها بين الثوار تمنع أي دعاية حزبية أو لمرشحي الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية في الميدان، والإصرار على المحافظة على سلمية الثورة وعدم الانسياق وراء أي صدامات أو استفزازات، وعدم تخوين أي فصيل أو شخصية عامة شاركت في الثورة في حالة عدم نزولها الميدان الآن، والتركيز على المطالب المتفق عليها بين جميع التيارات من سرعة تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة ومحاكمة المخلوع والفاسدين وقتلة الثوار وترك المطالب المختلف عليها جانباً الآن.
كانت الشعارات والهتافات التي تتردد في الميدان هي: “يا نجيب حقهم يا نموت زيهم”، “يا أهالينا انضموا لينا الكرامة ليكوا ولينا”، “يسقط يسقط حكم العسكر.. إحنا الشعب الخط الأحمر”، “الشعب يريد إسقاط المشير”، كما ترددت شعارات الثورة مرة أخرى من أمثال: “مش هنمشي هو يمشي”، “اللي مبيفهمش عربي ارحل يعني امشي”. كان هناك مجموعة من الشباب يحملون لافتات مقلوبة مكتوب عليها: “نحب جيشنا نعم ولكن لا للمجلس العسكري”، وعندما يلفت أحد نظرهم إلى أن الورق مقلوب يقولون له: “اعدل البلد عشان الصورة تتعدل ما البلد كلها حالها مقلوب“.
كان هناك عائلة تتكون من أم وأب وطفلان صغيران، لأول مرة يشاركون في المظاهرات يعدون أنفسهم من الأغلبية الصامتة، رفع كل منهم لافتة مكتوب عليها: “نحن من الأغلبية الصامتة ونؤيد الثوار حتى يسقط المشير”، وعند سؤالهم عن سبب نزولهم هذه المرة، قالوا: “إن الأغلبية الصامتة تتخذ ذريعة دائماً لبقاء الأنظمة الفاسدة، فأيام مبارك كانوا يقولون أن من في التحرير هم مليونين أو ثلاثة لا يمثلون 85 مليون مصري ونفس الكلام أيضاً يقال الآن؛ لذا قررنا النزول للتعبير عن أن الأغلبية الصامتة صمتها ليس موافقة على تلك الأنظمة الفاسدة وحتى لا تتخذ ذريعة في بقاء الفساد وقتل إخواننا في ميدان التحرير وسفك دماءهم“.
ومن بعض الطرائف في الميدان أحد الشباب الذي كان يحمل لافتة كتب عليها: “بيقولوا المجلس العسكري خط أحمر… ما بلاش فلسفة ويقولوا إنه فودافون على طول”. وكان شباب الألتراس يحتفلون في الميدان- كعادتهم في مباريات الكرة- بالشماريخ واطلاق الهتافات بطريقة غنائية واستخدام الطبول والدفوف. وعند خروجي من الميدان صادفت أحد الشباب كان يوزع إستيكرز للمناداة بإجراء الانتخابات في موعدها مع استمرار الاعتصام في التحرير؛ لأنها السبيل الوحيد لإقامة الديمقراطية وأولى خطوات التخلص من المجلس العسكري وبناء الدولة المدنية.
غادرت الميدان بعد العشاء وأنا أتمنى أن تكون هذه آخر مرة نلجأ فيها للميدان، وأن تقوم دولة الحرية والعدالة على أرض بلدنا الحبيب مصر، أن يعم السلام والمساواة أرجاء الوطن، ويشعر كل فرد فينا أن هذا الوطن ملكه وأنه سيداً في وطنه، ولا نحتاج يوماً أن نعود لذلك الميدان سوى لزيارته وتذكر أيام تلك الثورة المجيدة والفخر بها، وحمد الله أنها قامت لنحصل على تلك الحياة الكريمة؛ فهل سيتحقق ذلك؟!