يوميات بنوتة مصرية (28): خبطتين في الراس تشغل

      بينما مريم تشرح أحد المحاضرات في الكورس الذي تقدمه في مكان عملها، إذا باحدى الطالبات تسقط مغشياً عليها، فيتجمهر الطلاب محاولين افاقتها، ويطلبوا لها الإسعاف، وتذهب معها مريم إلى المستشفى، وتنتظرها في الخارج وهي في غرفة الكشف، وإذا بذاك الشاب الذي تشاجرت معه بالأمس في الشارع ماراً من أمامها مرتدياً بالطو الأطباء.

    الشاب: انت تاني؟! ايه فتحتي دماغ حد النهاردة؟

     مريم وهي تلوي بوزها: ههههه ظريف أوي حضرتك، وانت ايه بتسيق المكان هنا ولا ايه؟

     ينظر إليها شزراً قائلاً: اه فعلاً أصل اللي بيسيقوا اليومين دول بيلبسوا بالطو أبيض، تعليم مجاني معلش نعمل ايه بقى!

  • ده على أساس أنك خريج أكسفورد مثلاً، وتلاقيك لاطش البالطو من الدكاترة أصلاً وانت بتاخدهم فمين غسيل.
  • ما تلمي لسانك بقى أنا عامل اعتبار انك بنت لحد دلوقتي ومش عايز اتغابى عليكي.

   تضع يدها على رأسها موضع ضربة البرميل بالأمس قائلة: وانت كل ده ومتغابتش؟!

  • يعني المفروض كنت أعملك ايه؟! أسيب لك الواد تخطفيه؟!
  • أنا اللي كنت هخطفه؟!
  • لا أنا اللي هخطفه، أصل في حد بيخطف ابن اخته برضه!
  • بتحصل عادي، وبعدين انت لو كنت بتكلمه كويس زي الناس الطبيعيين مكنتش شكيت فيك!
  • زي الناس الطبيعيين ده اللي هو إزاي؟ أكونش كنت ماسك له الفلكة وأنا مش واخد بالي؟!
  • لا بس في أسلوب تفاهم راقي عن كدة، تاخده في حضنك وتفهمه مش هو يبقى زعلان على مامته وانت تخوفه انك هترميه تحت العربية!

    وفي تلك اللحظة دخل رجل يرتدي جلباباً مريب الشكل ويحمل آخراً مطعوناً بسكين في قلبه، ويوجه كلامه للطبيب: الحقنا يا دكتور فوقه بسرعة.

  • أفندم؟! حضرتك ده مطعون بالسكينة في قلبه ده مات خلاص!

الرجل بصوت جهوري: هو ايه ده اللي مات أنا بقولك تفوقه يعني تفوقه حالاً أمال انت دكتور بتعمل ايه؟!

  • حضرتك أنا دكتور مش اله عشان أحيي الأموات!
  • مفيش أموات هنا انت اللي هتبقى من الأموات لو مفوقتوش حالاً.

   الطبيب الشاب وهو ينظر بخبث تجاه مريم: بس كدة حضرتك ممكن تتفاهم مع الآنسة دي وهي تفهمك كل حاجة.

  موجهاً كلامه لمريم: انت مش بتحبي التفاهم؟! اتفضلي اتفاهمي معاه وفهميه.

   نظرت له شزراً ووجهت كلامها للرجل: حضرتك الدكتور مهمته أنه يعالج المريض وهو اللي يقدر يعرف إذا كان اللي قدامه ده مريض ولا ميت ولو ميت هو ميقدرش يعمله حاجة ويرجعه للحياة تاني مثلاً!

    يسحب الرجل السكين من قلب صاحبه ويوجهها لمريم قائلاً: بقولك ايه أنا الكلام ده ميخشش زمتي بتلاتة أبيض انتم هتفوقوه يعني هتفوقوه!

    خافت مريم واحتمت خلف ظهر الطبيب متشبثة بذراعه، وصاح هو بدوره على أمن المشفى.

    الرجل: انتم فاكرين انكم كدة بتهددوني يعني؟!

   وأشاح الرجل يده بالسكين؛ فأمسكها الطبيب بيده، وفي تلك اللحظة أتى ظباط الأمن وأمسكوا به وأخذوه معهم ليسلموه للشرطة، وظلت مريم ترقبهم وهي متشبثة بذراع الطبيب.

    الطبيب هامساً وهو ينظر إليها خلفه: مشيوا على فكرة.

    مريم وهي واجمة: اه.

  • طب ايه؟
  • ايه؟
  • لوعجباكي ممكن تاخديها معاكي البيت عادي يعني.

    مريم باستغراب: هي ايه؟

  • دراعي!
  • أوه سوري، أنا آسفة مخدتش بالي.
  • لا عادي والله اتفضليها.

مريم تنظر بخجل إلى الأرض.

  • إيه ده ده طلع في ملامح أنوثة أهي وبنتكسف وحركات.

تنظر له شزراً.

  • لا والنبي متتحوليش تاني اثبتي ع كدة.

تضحك بخجل.

  • والله ضحكتك حلوة خليكي على كدة بقى وبلاش ترجعي عم غضنفر تاني.
  • وهو أنا ايه اللي بيخليني أتحول غير المستنقع اللي احنا عايشين فيه ده؟!
  • خلاص تحولي مع المستنقع وابقي طبيعية برة المستنقع!
  • وأنا هعرفهم منين؟! بيتكتب على قفاهم مثلاً!
  • بالفراسة، ايه معندكيش فراسة خالص؟!
  • لا عندي كراسة تنفع؟ 😛
  • يا حلاوتك، وكمان بتألشي، بس ألش رخيص ده ع فكرة 😛 المهم متعرفناش صح.
  • مهندسة مريم.
  • دكتور مدحت، بس احنا نشيل الألقاب بقى، يعني أنا أقولك يا مريم وانت تقوليلي يا دكتور مدحت ع طول كدة.
  • ههههههههههههه قديمة أوي ع فكرة.
  • زي الألش الرخيص بتاعك بالظبط 😛 ، المهم نكمل تعارف بقى، مهندسة فين؟
  • في مركز جرافيك في المعادي.
  • اه يعني مبتشتغليش في البنا والعماير وكدة؟
  • والله حاولت كتير وقدمت في شركات كتير، بس مفيش فايدة كلهم عايزين شباب بس، فاكر أول مرة اتقابلنا فيها؟
  • وهي دي حاجة تتنسي؟!
  • أهو أنا يومها كنت لافة على كذة شركة وكلهم ادوني استمارة ستة بس لمجرد اني بنت، عشان كدة مكنتش طايقة نفسي حتى!
  • اه طبعاً فلازم تطلعي غلك على الغلابة اللي زي حالاتي.
  • معلش بقى هي جت فيك، وبعدين يعني هي حبكت معاك من كل المحل الحتة اللي في ايدي؟!
  • لا طبعاً محبكتش، هو كان مجرد جر كلام بس.
  • أفندم؟!
  • آآآآآآآ لا ولا حاجة عادي يعني.
  • طيب.
  • طب أنا ورايا شغل بقى وكدة، كان نفسي أعد أو أقف يعني معاكي أكتر من كدة بس للأسف!
  • لا فاهمة طبعاً أكيد اتفضل حضرتك.
  • طب ايه هنتقابل تاني امتى؟
  • مع أول مصيبة ان شاء الله 😛
  • بتكلم جد أنا.
  • سيبها بظروفها، لو لينا نصيب تاني هنتقابل.
  • طب انت عندك فيس بوك؟
  • اه أكيد.
  • طب ممكن أضيفك؟
  • اه تمام أوك.
الإعلان

يوميات بنوتة مصرية (9): رحلة البحث عن وظيفة

في احدى الشركات:

مسئول الـ HR: اممممممممم كورسات جرافيك و3D وأتوكاد ومعاكي لغة كمان سي في هايلة الصراحة.

ابتسامة عريضة من مريم.

  • بس للأسف مش هنقدر نعينك معانا.
  • ليه يا افندم؟!
  • احنا عايزين راجل يترممط معانا في الشغل.
  • حضرتك أنا أتمرمط تمام معنديش أي مشكلة أنا بحب المرمطة أصلاً!
  • كلكم بتقولوا كدة في الأول وبعدين بيبقى مينفعش نتأخر في الشغل، لازم نروح بدري، كلام الناس ومش كلام الناس، ومبتعرفوش تتعاملوا مع العمال وتيجوا تعيطوا من معاملتهم، مش فاتحينها حضانة احنا هنا هنعد نطبطب على كل واحدة فيكم شوية!
  • لا خالص حضرتك اطمن أنا مش من النوعية دي نهائي انا أهم حاجة عندي شغلي وبعرف اتعامل مع الناس كويس واحط كل واحد عند حده.
  • وأنا ايه اللي يخليني أغامر ما الشباب على قفا مين يشيل مش لاقيين شغل ولو قصروا هعرف اديهم على دماغهم، روحي يا بنت الحلال شوفيلك عريس متريش وابن حلال يستتك ويصرف عليكي بدل المرمطة دي.

مريم وهي تحاول التحكم في أعصابها: حضرتك أنا لو كنت عايزة اتستت واعد في البيت مكنتش درست هندسة اصلاً كنت رحت درست تدبير منزلي أحسن! عموماً أنا أي شركة تتمناني وانتم الخسرانين، سلام عليكم.

تأخذ مريم أوراقها وتخرج.

…………………………..

في شركة أخرى:

مسئول الـ HR: أنا آسف يا افندم احنا مبنشغلش بنات مهندسين.

  • ليه يا افندم؟!
  • انتم بتشتغلوا عشان تدوروا على عرسان وأول ما بتلاقوا العريس بيقعدكم في البيت وشكراً على كدة.
  • لا يا افندم اطمن أنا مبدورش على عرسان ولو حصل وربنا أراد مش هسيب الشغل وده شرط أساسي عندي للجواز.
  • لو اتجوزتي ومسيبتيش الشغل فده أنيل بالنسبة لي!

مريم باستغراب: إزاي يعني يا افندم؟!

  • ما هو لما تتجوزي ده معناه انك هتحملي وتخلفي ونبدأ في دوامات أجازة حمل وأجازة وضع وساعة رضاعة ولازم أروح بدري عشان البيبي، وقانوناً مقدرش استغنى عنك من الشركة لانك واخدة أجازات أمومة لانها قانوناً من حقك بس أنا اللي شغلي هيقف ولا مني بطلع منك شغل ولا مني عارف امشيكي واجيب حد بدالك!
  • حضرتك أنا مش هخلف خلاص أخلف ليه أصلاً؟! عشان أجيب بنت تلف على كل الوظايف اللي في البلد ميرضوش يشغلوها عشان هي بنت؟! اطمن خلاص حضرتك أنا قررت دلوقتي اني مش هخلف.
  • ده كلام مش منطقي مش مطلوب مني أصدقه وأشغلك على أساسه يعني!
  • أعملكم ايه طب يعني؟!
  • متعمليش حاجة، روحي بيتكم استهدي بالله كدة واقفي جنب الست والدتك في المطبخ اتعلمي لك منها طبختين ينفعوكي لما تتجوزي.
  • آآآآآآآآآآآآآه

وأخذت مريم أوراقها وحقيبتها وخرجت في  أوج عصبيتها.