رحلتي مع الكتابة

 

منذ نعومة أظافري عشقت الورقة والقلم؛ فقبل حتى أن أتعلم الكتابة كنت أمسك بالقلم لأنقش على الورق أي شخابيط لا معنى لها، وفور أن تعلمت الحروف الأبجدية كنت أكتبها على الورق ليل نهار وأكون بها كلمات بسيطة، وخطوة بخطوة أصبحت أجيد القراءة والكتابة؛ فبدأت أكتب قصص أطفال كتلك التي يرويها لي أبي التي تحكي عن الحيوانات وماشابه، وأيضاً بعض الأشعار الطفولية، وأذكر أن أول ما كتبته شعراً كان عن مقتل الشهيد الفلسطيني “محمد الدرة” وأنا في الصف الرابع الابتدائي.

كنت أيضاً حريصة على كتابة يومياتي يوماً بيوم أسجل كل مشاعري وما يدور بخاطري تجاه الأحداث اليومية التي أتعرض لها أو أعاصرها، كنت أتسابق مع رفاقي وزملاء صفي في موضوعات التعبير والانشاء المختلفة التي تختبرنا فيها معلمتنا، كنت -ولا زلت- أعشق اللغة العربية والتعرف على مفرداتها وتراكيبها واتقان قواعدها ولغوياتها؛ حتى انني قررت حينها أن أعمل كمعلمة لغة عربية في كبري، ولكن تدريجياً وجدت أن الكتابة أوسع وأشمل من أن أحصرها في مهنة التدريس، وأني من خلالها يمكنني التأثير والوصول إلى الآلاف والملايين وبث الأفكار والقيم التي أرغب في نشرها والارتقاء والدفاع عن لغتي العربية التي أعشقها.

وذلك بخلاف العدد المحدود من الأطفال الذين يمكنني التأثير فيهم من خلال التدريس والذين قد لا يسمح سنهم الصغير بأن يعوا ما أريد أيصاله لهم، لذا قررت دراسة الاعلام، وطوال فترة دراستي الثانوية كنت دائمة الاشتراك في أنشطة الصحافة والإذاعة المدرسية ومسابقات الأبحاث والمقالات حتى حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية في مسابقة الابداع الفلسفي من خلال بحث عن الإمام محمد عبده، ومنذ سنتي الأولى في الجامعة حرصت على الانطلاق والتدريب في مختلف الصحف الإقليمية المتوافرة في محافظتي محل إقامتي ودراستي أسيوط.

وبعد تخرجي من الجامعة شرعت أراسل شتى الصحف والمواقع الالكترونية، وأنشأت لنفسي مدونات شخصية على مختلف مواقع التدوين وصفحة فيس بوك لنشر كتاباتي، التي أحاول الاشتراك بها في مسابقات عدة للتأليف في مجالات القصص القصيرة وشعر الفصحى والعامية والتي أربح أحياناً في معظمها، ولازلت أحاول أن أتعلم في كل يوم كل جديد تطاله يداي في عالم الكتابة، وأن أنمي قراءاتي في كافة المجالات لأغذي عقلي بكل جديد يمكنني الكتابة عنه والاستفادة منه، وأن أقرأ لكل كاتب وأحضر كافة النقاشات والتدريبات في عالم الكتابة، ولازلت أرى أن أمامي الطريق طويل.

الإعلان

عال شامخ

بقلم: سارة الليثي

وقف “محمد” ينظر الى المارة والطرقات والبيوت والمباني الشاهقة، فقد اعتاد منذ مولده هذا المشهد.. يرى الناس بينما لا يراه أحد.. و تنهد بحسرة، فقد كان فيما مضى يرى حياته سعيدة مبهجة.. أما الآن، بعد أن كبر والتحق بالمدرسة؛ فقد عرف حقيقة الأمر.. فهو لا يسكن في مكان فسيح وعال كما قالت أمه وكذلك والده، إنما هو يسكن في سطح منزل متهالك قديم، وان كان هذا السطح يطل على بيوت شاهقة وعمائر فاخرة.. والآن و بعد أن أصبح له زملاء وأصدقاء يسكنون في هذه العمائر؛ فقد عرف حقيقة أمره..

عندها دخلت عليه أمه، ولمحت الحزن في عينيه؛ فقالت له بابتسامة مشرقة: ألم أقل لك أنك من هذا المكان ترى الدنيا كلها بينما لا يراك إنسان؟.. فأنت عال لا يرتقي اليك أحد.. فنظر اليها في حزن، وأطرق رأسه، وقال في نفسه: أي علو هذا؟! ياليتني كنت أسكن إحدى هذه العمائر الفاخرة؛ حينها كان سيحترمني زملائي، ويسعوا لمصادقتي كما يفعلوا مع من يسكنون تلك العمائر. قالت أمه في نفسها: ياليتك تفهم كلامي، وتسعى إلى العلا الحقيقي؛ فليس العلا بالنقود، وفخامة المسكن، وإنما بالقناعة والرضا والأخلاق الحميدة والنجاح في الحياة.

أحتضنته أمه ثم تركته وذهبت تعد الطعام، بينما جلس “محمد” وحيداً يفكر في “عمرو” زميله في المدرسة الذي يسعى دائماً لإغاظته بما معه من نقود، وأنه يعيش في منزل أجمل وأرقى من منزله. فقد كان “محمد” متفوق في دراسته بينما “عمرو” بليد ودائماً درجاته سيئة هذا إذا لم يرسب تماماً، ولذلك كان يكره “محمد”؛ لأن جميع أساتذته يحبونه ويشجعونه بينما يوبخونه هو على انحدار مستواه الدائم، وعدم انتباهه لدراسته حتى والديه كانا دائماً ما يحفزانه ليكون كزميله “محمد”.

ولكن “محمد” لصغر سنه لم يكن ينتبه لتلك المزايا التي يمتلكها و يتمناها أي شخص آخر. وبمرور الأيام كبر “محمد” والتحق بالثانوية العامة، ولم تكن ظروف والديه المادية تسمح بأن يأخذ دروس خصوصية، بينما كان “عمرو” يأخذ دروس في جميع المواد، ويفخر دائماً بأنه يأتي إليه أفضل الأساتذة، ولذلك فهو واثق من نجاحه وأنه سيكون الأفضل بين زملاءه ولكنه لم يكن يستذكر دروسه ولم يسعى لتحقيق ذلك النجاح الذي يصبو اليه. بينما كان “محمد” يستذكر دروسه أولاً بأول ويسعى إلى النجاح والتفوق بكل ما أوتي من قوة، فكان يأتي ترتيبه الأول بين زملاءه دائماً.

وفي نتيجة الثانوية العامة كان الأول على الجمهورية، وتفوق على جميع أقرانه، والتحق بأفضل الكليات، وفي يوم تكريمه تذكر جملة والدته: “أنت عال لا يرتقي إليك أحد”.. فعرف معناها، وأيقن أن العلا ليس بالنقود، وإنما العلا يأتي من داخل الإنسان الذي يسعى إليه بدأب واجتهاد وبهما يمكن أن يحصل على كل ما يريده.

أشخاص ملهمين في حياتي: أبي

 

 

   إذا كانت أمي هي من كانت تقرأ لي مجلات وقصص الأطفال في طفولتي فأبي هو من كان يشتري لي تلك المجلات، على الرغم من أنه كان لا يزال شاباً في مقتبل حياته المهنية إلا أنه كان يخصص جزءاً كبيراً من راتبه الشهري ليشتري لي كل مجلات الأطفال أسبوعياً، ما من إصدار للأطفال في تلك الفترة إلا واشتراه لي، فلدي مجلات علاء الدين وبلبل –اللتين بدأ إصدارهما في طفولتي- منذ أعدادهما الأولى، وظل الحال هكذا حتى سافرنا اليابان وأنا في العاشرة من عمري، وأيضاً قد خصص جزءاً من حمولتنا ليحمل لي في رحلتنا تلك بعض الأعداد القديمة لمجلاتي المفضلة حتى لا أفتقدها في غربتنا.

    عندما كنت في الصف الثالث الثانوي أشتركت في مسابقة بحثية ساعدني فيها أبي كثيراً حتى حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية، وكان يساعدني في أبحاثي الجامعية بكتابتها لي على الكمبيوتر وطباعتها ليوفر لي الوقت للدراسة.

   أبي يفخر بنجاحي وتفوقي دائماً ويتباهى بي على طلابه، وإن كان يتمنى أن أصل لذلك النجاح وأنا قابعة في المنزل، فلديه مشكلة شرقية صعيدية مع خروج البنات من بيوتهم.

   ورثت عن أبي العديد من الصفات: حب العلم والتفوق والرغبة في النجاح وعشق الأطفال والعند وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر بالكلام وحتى حب الأفلام الهندي أكتشفت إن أبي كان يحبها ويتابعها في طفولته ولكنه نسيها لفترة حتى أعدته إليها مرة أخرى.

أشخاص ملهمين في حياتي: أمي

 

 

   أمي هي أكثر شخص له فضل عليا في حياتي، على الرغم من عصبيتها واختلافنا في أغلب الآراء ووجهات النظر ورؤيتنا للحياة بوجه عام إلا إن أي شيء وصلت له في حياتي كانت هي السبب الرئيسي فيه، وأي شيء هوصله لسة فبرضه هيكون بسببها هي، هي اللي زرعت البذرة الأساسية جوايا اللي لولاها مكنتش هعمل أي حاجة في حياتي!

   أمي هي السبب الرئيسي في حبي للقراءة، كانت بتقرأ لي من قبل ما اتولد حتى، كانت بتكلمني بصوت عالي وتقرأ لي كل اللي بتقرأه وأنا لسة في بطنها، وكملت ده معايا وأنا بيبي لحد ما ابتديت أفهم بقت تقرالي قصص الأطفال والمجلات وتحكيهالي بالأسلوب اللي أفهمه.

   أمي هي السبب في تفوقي الدراسي طول مراحل الدراسة كانت بتذاكر لي كل المواد (بغض النظر عن الأسلوب)، حتى لما كنا في اليابان وكانت امتحانات السفارة كلها غش وكل العائلات اللي كانت معانا مكنتش بتهتم بدراسة عيالهم لانهم عارفين انهم هيدخلوا معاهم الامتحان ويجاوبوا لهم على الأسئلة من الكتب وهينجحوا وبمجاميع عالية كمان من غير ما يذاكروا حرف، إلا إن أمي كانت بتصمم اننا نذاكر –أنا وأخويا- كأننا في مصر بالظبط ونفهم كل المواد كويس ونحل الإمتحانات من غير غش، كنا الوحيدين اللي بننجح بمجهودنا فعلاً والوحيدين اللي متعبناش في الدراسة لما رجعنا مصر لإننا كنا ماشيين معاهم فعلاً وفاهمين كل اللي فات.

   أمي هي أكتر شخص بيقف جنبي في حجات كتير (مش في كل حاجة عشان في حجات بتختلف معايا فيها)، أمي أكتر إنسان مصدق فيا ونفسها تشوفني حققت اللي أنا بحلم بيه (بس بطريقتها مش بطريقتي ودي أكتر نقطة بنختلف عليها).

  أمي هي اللي ورثت عنها كتير من صفاتي وطباعي اللي بحبها والناس بتحبها فيها: طيبة القلب والتسامح والنظام والنظافة والإصرار والإرادة على اني أحقق اللي أنا عايزاه والثقة بالنفس.