صلاح السقا…. رائد مسرح العرائس في الوطن العربي

كتبت: سارة الليثي

    من منا لا يعرف أوبريت الليلة الكبيرة الشهير؟! فقد كنا نجتمع صغاراً حول التلفاز لمشاهدته في كل عيد ومناسبة، ومن قبلنا آبائنا حيث عرض لأول مرة في 1 مايو 1961، ذلك الأوبريت الذي اشترك فيه بالغناء كبار مطربي مصر: سيد مكاوي وشفيق جلال وعبده السروجي ومحمد رشدي وحورية حسن واسماعيل شبانة وصلاح جاهين وشافية أحمد، ووضع كلماته صلاح جاهين ولحنه سيد مكاوي، ولكن أكثر ما أضفى على ذلك الأوبريت روحاً وتميزاً هو تأدية العرائس الماريونت له.

     ففي ظني لو كان هذا الأوبريت مجرد أغنية أداها هؤلاء المطربون الكبار لما كتب لها هذا الخلود، وكذلك لو كانت أديت بفرقة بشرية، فكم من مرات حاولت فرق باليه وجمباز تأدية عروض مسرحية باستخدام هذا الأوبريت ولكن لم تلقى اقبالاً كالعرض الأصلي باستخدام العرائس الماريونيت، وخلف هذا التميز وعظمة الاداء المسرحي للعرائس الماريونيت يقف المخرج الكبير صلاح السقا الذي يجهله كثير منا ومن يعرفه قد لا يعرف عنه سوى أنه والد الفنان أحمد السقا وكان يعمل بالاخراج المسرحي، ولكننا نجهل أنه هو أول من أسس فن مسرح العرائس في مصر والوطن العربي كله.

   فقد فضل المخرج الكبير صلاح السقا فن العرائس عن المحاماة؛ فبعد تخرجه من كلية الحقوق جامعة عين شمس لم يعمل بالمحاماة بل توجه لتعلم فن تحريك العرائس على يد الخبير سيرجي أورازوف الأب الروحي لفناني العرائس في العالم، وسافر بعدها إلى رومانيا ليدرس الإخراج المسرحي وتخصص في فن العرائس، وبعد عودته إلى مصر حصل على الماجستير في الاخراج من معهد السينما عام 1969 بعد أن أخرج أوبريت الليلة الكبيرة، وكان قد قدم قبلها العديد من الأعمال الفنية التي أثرت في تاريخ صناعة الفن بمصر منها: حلم الوزير سعدون، حسن الصياد، الأطفال يدخلون البرلمان، خرج ولم يعد.

    وقد تعاون مع كبار الكتاب والشعراء في تقديم عروضه المسرحية المختلفة، مثل: الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي في عرض مقالب صحصح وتابعه دندش، والشاعر سيد حجاب في عرض أبو علي، وصلاح جاهين في الليلة الكبيرة وعودة الشاطر حسن وعقلة الاصبع والديك العجيب، ولم يكتف باسهاماته المسرحية في مصر بل ساهم في انشاء العديد من مسارح العرائس بالدول العربية مثل: سوريا والكويت وقطر وتونس والعراق، كما أجرى العديد من البحوث والدراسات حول تاريخ فن العرائس والتي أصبحت مقرراً دراسياً على طلاب معاهد السينما والمسرح وكليات التربية.

    وقد حصل صلاح السقا على العديد من الجوائز من مصر والدول العربية والأجنبية منها الجائزة العالمية الثانية من بوخارست في بداياته الفنية وفى 1973 حصل على الجائزة الأولى ببرلين، كما نال شهادة تقدير من الولايات المتحدة الأمريكية في 1980 كما منحه عمدة بلدة مستل باخ بالنمسا وسام خاص بمناسبة عرض الليلة الكبيرة عام 1989، وكانت النمسا كرمته من قبل عام 1980، ونال الدرع المميز من مهرجان جرش الأردن 1985، وتقلد الميدالية الذهبية لمهرجان دول البحر المتوسط بإيطاليا 1986، كما كرمه المهرجان القومى للمسرح بعد وفاته.

      وتوفي صلاح السقا صباح يوم السبت 25 سبتمبر 2010م في مستشفى الشروق بالمهندسين متأثراً بهبوط في القلب وقصور في وظائف الكلى عن عمر يناهز 78 عاماً حيث ولد في 11 مارس 1932م، تاركاً ارثاً عظيماً من الأعمال الفنية التي أثرت في التراث الفني المصري.

الإعلان

ليلة النصف من شعبان: سنن وبدع

 

  انتصف شعبان؛ فهم الغفلان، ونشط الكسلان، فقد دق ناقوس العمل ولم يبقى على رمضان سوى أسبوعان، وقد خص الله سبحانه وتعالى ليلة النصف من شعبان بعدة أفضال؛ فلقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إِنَّ اللَه تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»، وقد انتشرت في العديد من الدول والشعوب المسلمة مظاهر الاحتفال بتلك الليلة، منها ما قد يكون لا غبار عليه ومنها ما يعد بدع قد تصل إلى حد الشرك.

   فمظاهر الاحتفال التي تتعلق بتخصيص عبادات معينة كالصيام أو القيام أو تزيين المساجد وما إلى ذلك مما يدخل في نطاق العبادات هي بدع حيث لم يرد فيها نص شرعي من حديث نبوي أو قرآن، وما لم يأتي نص بتشريعه في العبادات يعد بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وقد ثبت للفقهاء أن الأحاديث التي تحض على صيام نهار ليلة النصف من شعبان وقيام ليلها خاصة هي أحاديث مكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

   فلا يجوز تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام أو قيام إلا إذا كان لا يقصد تخصيصها وانما يقوم بصيام وقيام شهر شعبان عامة، ومن مظاهر البدع الآخرى في تلك الليلة: إيقاد الشموع والمصابيح في المساجد والأسواق ونحوها. وهناك بعض الشعوب التي تتميز بمظاهر بدع مختلفة لبعدهم عن فهم الإسلام الصحيح وتأثرهم بالديانات السائدة في شعوبهم، فبعض المسلمين الهنود يوقدون الشموع على القبور، ويضعون الأزهار، ويسجلون أسماء من مات من شعبان الفائت إلى يومهم، ويصنعون الحلوى، وكل امرأة مات عنها زوجها تعتقد أن روحه ستأتيها فتصنع له الطعام الذي كان يشتهيه في حياته وتنتظره.

   وفي المغرب تعتقد الفرق الصوفية أن مصائر الناس تتحدد في ليلة النصف من شعبان، وأن الجان يلعب دوراً مصيرياً في تحديد تلك المصائر ولذا ينبغي التوسل إلى ملوك الجان لتحقيق أمنيات العلاج أو زوال العكس أو طلب النجاح في الأعمال وغيرها من الأغراض، وتسمى هذه الليلة التي يعقد فيها الاحتفال (ليلة الدردبة)، ولهم فيها ثلاث مراحل: الأولى: تقديم قربان للجان (تيس أسود) على إيقاع دقات الطبول وأنغام المزامير. والثانية: مرحلة تصعيد الإيقاع تمهيدًا للهياج الجماعي للحضور.

   وفي المرحلة الأخيرة يصلون لحالة من الهياج الجماعي، ويبدأ الرقص الإيقاعي والحركات البهلوانية في التصاعد بالتدريج، وكأن قوى خفية تحركهم، وهذه بالطبع من أكبر مظاهر الشرك بل قد تصل للكفر التام ولا تمت للإسلام بصلة، أما في الدول العربية القريبة للإسلام وفهمه فمظاهر الاحتفال لا تتعدى بعض الاحتفالات الدينية بالتواشيح وحلقات الذكر وخطب المساجد واعداد بعض المأكولات المحددة مما لا غبار عليه شرعاً، ففي بلاد مصر والشام تقام برامج خطابية في الجوامع الكبيرة تلقى فيها الكلمات والخطب والابتهالات، مفتتحة بالقرآن الكريم.

وفي بلدان الخليج العربي يحتفل بليلة النصف من شعبان بصفة شعبية اجتماعية، فيأخذ الاحتفال طابع الألعاب والأهازيج الشعبية، وتسمى ليلة النصف من شعبان في قطر (ليلة النافلة)، وتقدم فيها الأكلات الشعبية كالهريس والزلابيا واللقيمات والمكبوس وتوزع على الأهل والجيران والأقارب. ويجتمع فيها الأطفال على مجموعة من الألعاب التراثية الترفيهية ، ويتم أيضًا عرض بعض الحرف التقليدية كصناعة السفن التقليدية، وغزل الصوف اليدوي، و ويلبس الأطفال الملابس الشعبية القديمة ويطوفون على البيوت يطلبون الحلوى والهدايا مرددين بعض الأغاني التقليدية كقولهم:

             عطونا الله يعطيكم  ….  بيت مكة يوديكم

   وفي الإمارات تسمى ليلة النصف من شعبان بحق الليلة، ويلبس فيها الأطفال الملابس الجديدة، ويطوفون على البيوت لطلب الحلوى، ويرددون الأهازيج. وفي البحرين تسمى ليلة الناصفة. وفي الكويت تسمى القرقيعان. وفي عُمان تسمى القرنقشوه ولا تختلف كثيرًا عما تقدم من المظاهر المعمول بها في البلدان المجاورة. وكل هذه المظاهر في الاحتفال لا بأس بها ولا تتعدى حدود الشرع لتصل إلى البدع والشرك فهي لا تتضمن عبادات مبتدعة أو وسائل شركية للتقرب من الله.

سارة الليثي